إنه "تحميل" للقمة العربية، التي ستنعقد بعد يومين في منطقة البحر الميت، في أكثر مكان انخفاضاً في الكرة الأرضية، أكثر كثيراً ممّا من الممكن أن تحمل، عندما يعدُ البعض على نحوٍ من الجزم بأن أحد بنود جدول أعمالها هو حلّ "الأزمة السورية". فصحيح أنَّ بعض العرب الذين سيحضرون هذه القمة، وعلى الرَّحب والسعة، وأهلاً وسهلاً بهم في بلد الأردنيين القومي والعروبي الذي يقود مسيرته هذا القائد المُتفاني عبدالله بن الحسين، يدعمون الشعب السوري ممثلاً بالمعارضة الوطنية "المعتدلة"، في حين أن البعض الآخر يتعاطفون مع نظامه، وإنْ بخجل وعلى استحياء، لكن حلول هذه الأزمة التي غدت معقدة على هذا النحو، إذا أردنا قول الحقيقة، ليست هنا، وإنما في أيدي اللاعبين الكبار الذين سيشارك ممثلون عنهم، ولكن كمراقبين لنْ يتحدثوا رسمياً عن هذه المشكلة، ولو بكلمة واحدة. كان ممكناً أن يكون للعرب "الطيبين" دور رئيسيٌّ في هذه الأزمة في البدايات، لو أن هذا النظام الأرعن، ولا نريد أن نقول أكثر من هذا، لم يبادر إلى التصعيد منذ اللحظة الأولى ويجعل لغة الحوار الوحيدة مع شعب، من المفترض أنه شعبه، المَدافع وراجمات الصواريخ والإعدامات الجماعية، ولو أنه لم يشرِّع أبواب سورية على مصاريعها للذين أرادوها ساحة للصراع لتصفية حسابات لا علاقة لها بها ولا علاقة لها أيضاً بالمنطقة العربية. لقد بادر العرب، إنْ من خلال بعض الدول التي رأت أن هذا الهم السوري هو همها أيضاً، أو من خلال الجامعة العربية، إلى محاولة تطويق هذه الأزمة، عندما كانت لا تزال في البدايات، وعندما كان ممكناً حلها بالتنازلات المتبادلة بين هذا النظام ومعارضيه، لكن لجوء بشار الأسد منذ اللحظات الأولى إلى التصعيد العسكري واستخدام الرصاص والمدافع لغة للحوار قد عقَّد الأمور، وهنا فإن ما زاد الطين بلَّة كما يقال أنه، أيْ رئيس النظام السوري، قد وضع مقاليد أمور "القطر العربي السوري" في أيْدي "المُتسلْبطين" من الخارج، وأولهم روسيا الاتحادية وجمهورية إيران، التي كانت تنتظر لحظة كهذه اللحظة للتمدد "الاحتلالي" في هذه المنطقة. وهكذا فإنَّ القرار في سورية، إن حرباً وإنْ سلاماً، قد خرج من أيدي العرب كلهم، كما خرج من يد هذا النظام نفسه، وأصبح في أيدي اللاعبين الرئيسيين اللذين هما روسيا الاتحادية وإيران، وبالطبع فإن اللاعبين على الطرف الآخر، ومن الجهة الأخرى، هُمْ الولايات المتحدة، التي تضاءل دورها في عهد باراك أوباما وإدارته حتى حدود التلاشي، وتركيا التي لشلِّها وإضعاف دورها قد أُقْحمت في مشاكل كثيرة، أخطرها عمليات حزب العمال الكردستاني (التركي) الـ P.K.K، الذي من المفترض أنَّ الكل يعرف أنه كان صناعة مخابراتية سورية – روسية في عهد الاتحاد السوفياتي وصراع المعسكرات، وذلك عندما كانت الدولة التركية من أهم الأعضاء الفاعلين في حلف شمال الأطلسي. لقد قال مدير المخابرات البريطانية، قبل فترة: "لدينا معلومات بأن الروس والنظام السوري لا يريدون هزيمة (داعش) ولا يريدون إنهاء هذه الحرب المحتدمة في سورية... وأنهم يسعون إلى تحويل هذه البلاد إلى صحراء قاحلة"، وهذا يعني، ما دام أنَّ الأمور على هذا النحو، أنه يجب عدم تحميل القمة العربية أكثر مما تستطيع أنْ تحتمل ما دام أنَّ قرار الحرب والسلام في هذا البلد العربي قد أصبح في يد روسيا وفي يد إيران، وذلك بينما أصبح بشار الأسد مجرد دُمْية في أيدي الروس والإيرانيين.