ها هي أميركا تجدد أحلام الريادة بالتصدي الشرس لتقرير «إسكوا» الذي أصدرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، والذي جاء مستعرضاً الكثير من أدلة الإدانة للدولة العبرية في سياساتها وممارساتها الممثلة جريمة فرض نظام الفصل العنصري تجاه الفلسطينيين وتفسير آليات تفتيت الشعب الفلسطيني وقهره وقمعه سياسياً وجغرافياً، وقد انتهى في نتائجه مؤكداً دموية هذه الدولة وعنصريتها التي سرعان ما استشاطت أجهزتها ومؤسساتها معلنة باستنكار أنه منشور دعائي معادٍ للدولة العبرية لا يستهدف سوى التشهير السياسي والاستراتيجي والإساءة البالغة الرامية إلى النيل من حاضرها ومستقبلها. وقد طالبت واشنطن في الوقت ذاته - في إطار التحالف الحميم - بضرورة سحب ذلك التقرير المشؤوم. واستكمالاً للفوضوية السياسية، فإن واشنطن ستواصل رفضها المطلق لأجندة مجلس حقوق الإنسان المعارضة للتوجهات الإسرائيلية، كما رأت أن دور هذا المجلس انحصر في التأثير الكامل في تبني مجلس الأمن الدولي قراراً حاسماً حول عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وهو ما يسمح لها بالطبع بالانسحاب من المجلس إذا لم يتم إصلاحه فكراً ورؤية وتوجهاً وفلسفة ومنطقاً. تُرى أي غرابة يمكن أن يثيرها ذلك المشهد السياسي المألوف وقد تعددت وتنوعت قرارات الإدانة الدولية للدولة العبرية؟ وأي آمال تنتظر من مجلس الأمن ذلك الأسير الأبدي لسطوة السياسة الأميركية؟ ومتى تستطيع هيئة الأمم المتحدة تفتيت تلك العروة الوثقى بين الإدارة الأميركية والدولة العبرية؟ ومتى تستعيد هيبة قراراتها؟ وما جدوى إصدار قرارات أخرى لها درجة من التماثل في شأن الصراع المحتدم منذ عقود؟ ومن يجرؤ الآن وقبل الآن من أطراف المحيط الدولي على نقد تلك الدولة وفق ما أكد من قبل المفكر الفرنسي بسكال بونيفاس؟ وإلى متى سيظل الفيتو الأميركي الشبح المهدد السلام العالمي؟ وهل سيمثل الصراع العربي - الإسرائيلي مستقبلاً ملمحاً خاصاً لصدام الحضارات؟ وهل تعطي تلك المؤشرات صدقية لنبوءة شارون حين قال: «اعطوني 25 عاماً وستتغير الخريطة تماماً، ولن يكون في مقدور الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة ولا أي قوة في العالم أن تغير من سياسة الأمر الواقع»؟ وبناء على بعض ذلك، يكون السؤال الساخر: ما هو المعنى الضمني وراء تنديد الأمين العام للأمم المتحدة بتقرير «إسكوا» بينما صدر التقرير من إحدى لجان الهيئة الكبرى التي يترأسها ولم يصدر عن منظمة عربية أو فلسطينية؟! إن تأمل اللحظة المعاصرة بما يخترقها من تأزمات، لا بد أن ينبثق عنها ذلك الحل الأوحد والمأمول إزاء كارثيات الدولة العبرية، وهو تغير النظام الدولي من طريق تعضيد تلك التكتلات الصاعدة التي يناط بها تغيير طبيعة الفكر السياسي المنفلت من مبدأ العدل الدولي والمساواة الإنسانية والعاصف بمعطيات اللحظة العصيبة والدافع نحو سيادة عدم الاستقرار، ويناط بها أيضاً تحجيم تلك الدولة المارقة من طريق تقويض ظهيرها السياسي اقتصادياً واستراتيجياً وتركها في مهب الريح حتى تزول عنها سحب المحاباة ويتهتك رباط التواطؤ، وتُسترد الحقوق المسلوبة وتهدأ الشعوب المؤرَّقة وتزول وطأة الكراهية التي أصبحت تكتنف المحيط الأرضي. * كاتب مصري.