«برنامج إعادة الهيكلة يعكف على تنفيذ دراسة لإعداد مهنيين، يرتدون (البلسوت الأزرق) لممارسة مهن السباكة والكهرباء وإصلاح الستلايت، وفتيات تتقنّ الطهو والتفصيل والخياطة وغيرها من المهن».كانت هذه فحوى تصريح رئيس جهاز إعادة الهيكلة، والذي يبدو كأنه صادر عن مسؤول في زمن الخمسينات أو الستينات من القرن الماضي، حيث اكتشف حاجة البلد إلى هذه المهن لكي يتم تدريب المواطنين عليها، باعتبارها الحل السحري لتشغيل العاطلين من المواطنين وتقليص أعداد الوافدين.هكذا من دون دراسة أو أساس واضح، يتم اختيار مهن بسيطة يمارس أغلبيتها وافدون أميون، تدربوا عليها منذ الصغر لكي يتم تدريب الشباب عليها، علماً بأن جميع هذه المهن ما هي إلا مهن بسيطة لا يجب أن يتم الاهتمام بها إلا بصفة عابرة، ويمكن بكل سهولة أن تتبناها إحدى الجهات مثل اتحاد الجمعيات التعاونية، أو مركز خدمة المجتمع في جامعة الكويت، خصوصا وأنها لا تواكب التطورات التكنولوجية في العالم من حولنا، ولا تفيد الاقتصاد بشيء، ولا أتصور حتى وجود رغبة لدى الشباب للتدرب على هذه المهن لبناء مستقبلهم، ومزاحمة تلك العمالة البسيطة، علما بأن توفّر الرغبة يعتبر الحلقة المفقودة في جميع البرامج الموجهة للشباب نظرا لعدم وجود الحوافز الكافية أو حتى تسويقها بشكل جيد، كما أن هذه النوعية من التدريب لن تهز شعرة في طوابير انتظار العاطلين عن العمل المسجلة لدى جهاز إعادة الهيكلة، والتي يجب أن تشكل الهم الأكبر لدى إدارة الجهاز الذي تضخم كثيراً، وأصبح يمارس الكثير من اختصاصات الأجهزة الاخرى في الدولة.إن مسألة تأهيل وتدريب وتطوير العمالة الوطنية هي مسألة أكبر بكثير من برامج النجارة أو السباكة أو الطهو أو تفصيل الدراريع، والموضوع يحتاج إلى تدخل المسؤول الأول عن تعليم وتدريب الشباب، وهو السيد وزير التربية، بحيث يقوم بانتفاضة نارية «تحرق» القيادات المترهلة في الجهات التابعة له والمسؤولة عن مخرجات التعليم والتدريب، ويجب أن يسارع إلى إحياء المشروع المجمد والقاضي بفصل هيئة التعليم التطبيقي عن التدريب، وإنشاء هيئة مستقلة للتدريب لتقديم برامج مهنية متطورة ومتخصصة تلبي احتياجات سوق العمل، حيث يمكن تحديد تلك الاحتياجات بكل سهولة متى ما تم الرجوع إلى خطة التنمية والمشاريع الواردة فيها، والتي يمكن من خلالها تحديد مواصفات العمالة التي تحتاجها تلك المشاريع، فبمراجعة سريعة للمشاريع البارزة الواردة في الخطة يتبين بوضوح أن البلد يحتاج إلى حفاري آبار النفط ومشغلي المصافي ومشغلي محطات توليد القوى الكهربائية ومحطات التقطير ومحطات معالجة المياه، وعدد هائل من المتخصصين في اللوجستيات المتطورة لتشغيل وادارة وصيانة المرافق العملاقة مثل المطار، وميناء مبارك وجسر جابر والمستشفيات والمصفاة الرابعة، وما يحتاجه ذلك من ممرضين ومشغلي الآلات والمعدات الثقيلة ومبرمجي الكمبيوتر ومشرفي الأمن والتنظيف والمخازن والأرشيف وأمور أخرى كثيرة، حيث يمكن تحديد الأولويات لتلك الاحتياجات ووضع الحوافز القادرة على جذب الشباب لممارسة تلك الأعمال.يبدو أن التهافت على تبني أطروحات وأفكار السادة النواب لكسب رضاهم، قد أصبح هدفا للمسؤولين من دون أدنى دراسة أو تمحيص، خصوصا إذا ما تم تشجيع تلك الأفكار من قبل المستشارين من نوعية «تمام يا أفندم».... والله المستعانهاني سعود المير: Twitter