لا شك أن موضوع تداول السلطة ومشكلاته من أكثر الموضوعات إلحاحاً في العالم العربي اليوم. ومع صدور القرار الكريم بتولية الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا لولي العهد يتجدد الحديث في هذا الموضوع وتطرح معه عدد من التساؤلات. فقد كان القرار مصدر ارتياح كبير داخليا وخارجيا. فالارتياح جاء من جانبين رئيسيين: لشخص الأمير مقرن، الرجل المخضرم، الرابط بين جيلين، ولآلية اتخاذ القرار، التي اتصفت بالشفافية والمؤسسية. أما التساؤلات فتتعلق بالسر وراء نجاح تداول السلطة في المملكة مقارنة بأنظمة مجاورة تذوق شعوبها اليوم ويلات المشكلة التي جرت المنطقة إلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار. وعند الحديث عن تداول السلطة يطرح النظام الديموقراطي حلا ينادي به الكثير بعاطفة قوية مبعثها أن نجاح النظام الديموقراطي في ضمان استقرار عدد من دول العالم لا يحتاج إلى دليل. بل يكاد البعض يشبه النظام الديموقراطي ببرمجيات سطح المكتب، كل ما تحتاجه هو تنصيب البرنامج وهو يتكفل بالباقي. والأمثلة على عدم صحة هذا التصور كثيرة، منها ما هو موجود في بيئات لها باع طويل في ممارسة الديموقراطية، ومنها أمثلة لبيئات مبتدئة في ممارسة الديموقراطية، تواجه العديد من الصعوبات. لكن من منظور نُظمي، نعرف إن النظام الديموقراطي لا يمكن أن يعمل بنجاح دون أنظمة أخرى مجاورة تعزز من أدائه. والمعروف أن النظام نفسه -أي نظام- ليس حلا، فقد يصبح نفسه مشكلة. ففي تجربة مصر، كان نظام ما قبل ثورة 52 يتشكل ديموقراطيا، لكنه كان يعاني من مشكلات حادة أدت إلى التطلع إلى نظام جديد، نظام الثورة. كان من تداعيات نظام الثورة ما نراه في مصر اليوم من أحداث. ففي الحالتين، نظام ما قبل ثورة 52 وما بعده، يتضح لنا من منظور نظمي، إن الشكل لا يعمل بعيدا من مكوناته. أي أن جودة أي نظام، سواء كان ديموقراطيا أو أوتوقراطيا، يعتمد بدرجة كبيرة على جودة المكونات وقدرتها على التأقلم مع المستجدات. فلبنان مثلا، دولة تتشكل من مكونات متعددة، لا يلائمها إلا النظام الديموقراطي كمسرح للعمل التعاوني التفاوضي بين أطراف ذات مرجعيات عرقية ودينية وفكرية مختلفة. إلا إن هذا المسرح الديموقراطي أصبح مفتوحا للتدخلات الخارجية، ومسرحا للتسوية والمقايضة البينية بين أطراف متناحرة. في الولايات المتحدة، عبر (بول راين) النائب من ولاية ويسكونسن عن رغبته في التنحي من منصبه في الكونجرس لإيمانه بعجز زملائه في المجلس من البت في القضايا الملحة التي تواجه المجتمع الأمريكي نظرا لأن المجلس منشغل بمشكلاته الداخلية. الأسئلة التي تطرح أمام الأنظمة مسائلة كفاءتها تحتاج إلى أن تتجاوز الإطار وتنفذ إلى المكونات. إن نجاح أي نظام يعتمد في الأساس على أمرين، الأول انتماؤه إلى الأنظمة الأخرى المجاورة، الآخر هو تجانسه مع نفسه من الداخل. ولتحقيق الأمرين، يحتاج أن يولد وينمو النظام الجديد من مكونات النظام القديم وليس من خارجه. وفي المملكة يمكن أن نمثل بهيئة البيعة ومجلس الشورى كونهما ينتميان إلى النظام القديم من حيث المنشأ وينموان ليشكلا معالم نظام جديد. فاستمرار نجاح مجلس الشورى مثلا، مرتبط بخطوات تشكله وانتمائه للأنظمة المتجاورة وتجاوبه مع المتغيرات المحيطة. ففي أمثلة الدولة العربية المجاورة ستجد تحولا كبيرا يحدث في السياق التاريخي للأنظمة الذي يفرض قطيعة مع النظام القديم بالقوة، مما يؤدي إلى عزلة النظام الجديد عن الأنظمة الأخرى المجاورة أو الأنظمة المضمرة، وهو ما تبين جليا في تجربة ثورة يناير في مصر عندما انتشر الحديث عن ما يسمى الدولة العميقة. يأتي الخلل في النظر إلى الأنظمة كونها مكونات ثابتة وليست مكونات متحركة. والمكون الثابت غالبا ما ينكسر في وجه الأحداث، أو يخرج عن السيطرة لأن أفراد النظام يستجيبون للأحداث من منطلق رد الفعل، لا من منطلق الاستشراف وحساب المآلات. فلا يكفي تقرير النظام كإطار لحل المشكلات، بل الأهم هو تطوير آليات الحل ضمن الإطار نفسه بما يكفل للنظام أن يعمل في مواجهة تحديات التنمية بكفاءة وفاعلية.