بشكلٍ أو بآخرَ، وشئنَا أم أبينَا.. أو بالمصطلحِ العربيِّ السائدِ هذه الأيام الصعبة، ولا أقولُ السوداء.. ولأنّني من هواةِ نظريةِ المؤامرةِ أشمُّ منذُ سنواتٍ رائحةَ توريطِ، أو إلهاءِ، أو تحطيمِ الجيوشِ العربيةِ بطريقةٍ جهنميةٍ من جهنمِ الحمراء!. زمان.. وقبلَ نحوِ عشرين عامًا، بدأت المؤامرةُ المعششةُ في دماغِي، وأدمغةِ الكثيرِينَ بالتأكيدِ، بإلهاءِ الجيشِ الجزائريِّ.. أتذكرُونَهُ؟! جيشٌ عربيٌّ باسلٌ شاركَ في ملحمةِ أكتوبر 1973، وباتَ من أشهرِ الجيوشِ في الشرقِ الأوسطِ.. كانَ المخططُ كبيرًا.. كبيرًا، فانكفأَ الجيشُ الوطنيُّ الشعبيُّ الجزائريُّ "وهذَا هو اسمُهُ"، أو طفقَ، أو أُقحمَ، أو أقحم نفسَهُ في الصراعِ السياسيِّ الدائرِ هناك.. وكانَ ما كان! تراجعت النهضةُ الجزائريةُ الكبرَى في ميادينَ عدةٍ، كانَ من المفترضِ أنْ تزحفَ بها الجزائرُ لصدارةِ دولِ الشرقِ الأوسطِ صناعةً، وتعدينًا، وتجارةً، وثروةً حيوانيةً، وزراعةً!. سنواتٌ قليلةٌ وتمَّ إنهاكُ، أو إلهاءُ، أو تحطيمُ الجيشِ العراقيِّ العربيِّ "المغاوير" الذِي كانَ له ملحمتُه الشهيرةُ مع إيران قبلَ أن يطمعَ، أو يُطْمِعُوه، أو يخدعُوه، أو يفكّكُوه في مأساةِ غزوة الكويتِ، وما أعقبَها من إنهاكاتٍ، وخدعٍ، ومسرحياتٍ تراجيديةٍ -بالتأكيد- حتّى انكفأَ علَى نفسِهِ، أو انهمكَ في الذودِ عن ترابِ العراقِ من أطماعِ العراقيينَ!. ثم سنواتٌ قليلةٌ أُخرى، ودخلَ الجيشُ اليمنيُّ في اللعبةِ، أو في الفخِّ، وباتَ طرفًا في مأساةٍ يمنيةٍ جديدةٍ، اشتهرَ فيهَا اللواءاتُ، ليسَ بمواقعَ أو بملاحمَ ضدّ العدوِّ التاريخيِّ للأمةِ، وإنّما بالتصدّي، وقهرِ اليمنيينَ!. سنواتٌ سوداءُ أُخرى، وجاءَ الدورُ علَى الجيشِ السوريِّ، الذِي تحوَّلَ للأسفِ الشديدِ إلى جيشٍ لبشّار، يقتلُ، ويُدمِّرُ، ويُعربدُ، في مدنِ وقرَى سوريا الأبيةِ!. نسيتُ أنْ أذكِّرَ أنّه بعدَ الانتهاءِ من إلهاءِ جيشِ الجزائر، بدأَ إلهاءُ جيشِ السودان، وكانَ ما كانَ من صيحاتِ التكبيرِ والتهليلِ والنفيرِ للتعبئةِ ضدّ جيشِ قرنق، وقواتِ جنوبِ السودان، ثمَّ سرعانَ ما نشبت الحربُ الشرسةُ التي شاركتُ في تغطيةِ جانبٍ منهَا، وتحديدًا في نفسِ الأسبوعِ الذِي استُشهد فيه شقيقُ الرئيسِ البشير، ليسَ من أجلِ تحريرِ القدس، وإنّما من أجلِ تحريرِ السودان.. ليسَ من قواتِ الاحتلالِ الإسرائيليِّ، أو غيره، وإنّما من قواتِ السودان.. ويا هوانَ الهوانِ!. شيئًا.. فشيئًا، وخطوةً.. خطوةً، وعلى حينِ غِرّةٍ، جاءَ الدورُ على الجيشِ الأكبرِ والأضخمِ والأنبلِ، جيش مصرَ الكنانة، أقوى الجيوشِ العربيةِ على الإطلاقِ.. وكانَ ما كانَ، ووجدَ جيشُنا نفسَهُ في أتونِ المعمعةِ الكُبرى، متحمِّلاً أقصَى ما يُمكنُ تحمّلهُ من أجلِ وحدةِ مصرَ.. ويسألُونكَ عن المؤامرةِ، ويُسفّهُونَ هواةَ نظريةِ المؤامرةِ.. سفِّهُوني -إن شئتمْ- فما أكثر المُسفِّهينَ، المُكتفينَ بالفُرْجَةِ!. لقدْ كُتبَ عليَّ أنْ أشاركَ في تغطيةِ الفتنةِ الجزائريةِ الكُبرى، وشاهدتُ بأمِّ عيني كيفَ يتمُّ تذويبُ، أو طمسُ مسمّى "الجيش الوطنيّ الشعبيّ الجزائريّ"! كمَا غطّيتُ معركةَ الجيشِ السودانيّ في الجنوبِ، واستمعتُ، بلْ ولبّيتُ صيحاتِ التكبيرِ مع المُلبّينَ قبلَ أنْ تنتهِي الملحمةُ أخيرًا بانفصالِ الجنوبِ!. وكنتُ في البصرةِ أيامَ حربِ الجيشِ العراقيّ ضدّ إيران، ونقلتُ من هناكَ جانبًا من ملحمةٍ حقيقيةٍ قبلَ أنْ ينتهِي الأمرُ بالتوجّهِ صوبَ الكويتِ العربيةِ، فغطّيتُ أيضًا حربًا عربيةً- عربيةً، كانت الغلبةُ فيهَا لقواتِ التحالفِ!!. المراسلُونَ العسكرُيونَ، أو الميدانيُونَ مثلِي يشعرونَ بحسرةٍ مضاعفةٍ، ولوعةٍ مضاعفةٍ وهمْ يسألُونَ أنفسَهم الآنَ: مَا أخبارُ جيوشِنا العربيةِ مقارنةً بجيشِ إسرائيل؟! لقدْ تعلّمنَا كلّنا في المدارسِ العربيةِ من المحيطِ إلى الخليجِ أنَّ دخولَ الكليةِ الحربيةِ معناهُ قابلية الاستشهادِ في المعركةِ ضدّ إسرائيل.. لكنّ إسرائيلَ كانَ لهَا -ولا يزال- رأيٌّ آخر!!. sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain