مشكلة الصحافة اليوم لا تتلخص في منع الناس من معرفة الأخبار فحسب، بل في قيام الجمهور نفسه بصناعة واستهلاك الأخبار! فيما لجأ الصحافيون إلى منصات هؤلاء الناس لاستخلاص أخبارهم وإعادة طبخها ثانية، في تداخل مربك بين المُرسل والمُستقبل. ومع ذلك، هل هذا التركيز المفاجئ على الأخبار المتداولة على المنصات الاجتماعية والمواقع الشخصية وتطبيقات الهواتف الذكية سيؤدي في الواقع إلى جمهور أكثر استنارة ومعرفة بحقائق الأمور؟ هناك سبب لكون الأخبار لا تبدو ذات أهمية كما يأمل بعضهم. فهي يمكن أن تكون مزعجة وليست ذات أثر على تطوير المعرفة “كما حدث مع نشرة العاشرة مساء في بي بي سي”. والعالم مملوء بالأمور التي تستحق الانتباه، بدءا من تلفزيون الواقع وصولا إلى الكوميديا التلقائية المصورة من الشارع والمنازل وأماكن العمل والمنتزهات، لماذا نهتم بأمر ممل جدا مثل الأخبار؟ في حرب الأفكار يشكل الضجر والتشويش سلاحين قويين، حسب تيم هارفورد، وهو يعالج مثل هذا الأمر الذي وصفه بتخصص حديث العهد، قوي الأثر، في تقرير له بصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية. يعود هارفورد إلى دراسة نشرت العام الماضي لثلاثة باحثين حول كيفية قراءة الناس للأخبار عبر الإنترنت “كانت هذه الدراسة في ظاهر الأمر، عبارة عن تحقيق حول مدى استقطاب مصادر الأخبار، بدأ الباحثون ببيانات جمعت عن 1.2 مليون مستخدم للإنترنت، لكن انتهى بهم الأمر إلى تفحص ودراسة خمسين ألف مستخدم فقط. لماذا؟ لأن 4 في المئة فقط من أفراد العينة قرأوا ما يكفي من الأخبار الجادة التي تستحق أن تدخل في نطاق مثل هذه الدراسة. كان المطلوب عشر مقالات واثنتين من مقالات الرأي على مدى ثلاثة أشهر”. ويعلق على ذلك مستعينا باتفاق الكثير من المعلقين الذين يبدون قلقهم “من أننا نعزل أنفسنا في فقاعات أيديولوجية، ونتعرض فقط لآراء الذين لديهم طريقة تفكيرنا نفسها. وهذا الأمر ينطوي على بعض الحقيقة، لكن بالنسبة إلى 96 في المئة من متصفحي الإنترنت، لم تكن الفقاعة التي أثارت قلقهم أمرا ليبراليا أو محافظا، بل كانت: لا تهتم بالأخبار”. سبق وأن وصف باحث سويسري الأخبار بأنها مضللة وحشو فارغ ولا تفسر ذاتها وتسمم البدن وتزيد من الأخطاء الإدراكية وتغزو مساحة التفكير في الدماغ. وأكد الكاتب السويسري رولف دوبلي في كتاب “الأخبار فن التفكير بوضوح: عمق الفكرة وعمق القرار” أن الأخبار كالمخدرات وهي مضيعة للوقت وتجعل قارئها متلقيا سلبيا وتقتل الإبداع في داخله. ونصح دوبلي بالتخلي عن متابعة الأخبار وقراءتها من أجل سعادة الإنسان. بالنسبة إلى الصحافة، كل ذلك بالطبع ليس مؤشرا على أي نوع من الأمل، عندما تصبح الأخبار صناعة تدار من غير الصحافيين، وعندما لا يهتم الناس بالأخبار. كرم نعمة karam@alarab.co.uk