تسعى إيران بكل جهدها إلى ادامة وجودها في المنطقة رغبة منها في إبعاد شبح عزلتها داخل حدودها عنها. فإيران وهي دولة أزمات تعرف جيدا أن انكفائها على نفسها من شأنه أن يفجر أزماتها الداخلية التي نجحت حتى اللحظة في تفادي مواجهتها من خلال ما ترميه من نفاياتها على الآخرين. تؤكد تلك النزعةَ حقيقةُ أن إيران لم تقدم على إقامة مشاريع تنموية اقتصادية أو ثقافية مشتركة مع جيرانها. لم تعبر إيران عن حضورها الاقليمي إلا من خلال الميليشيات المسلحة التابعة لها مثل حزب الله في لبنان وسواه من الجماعات العقائدية التي لا تملك ما تقدمه لمجتمعاتها سوى الولاء للولي الفقيه الحاكم في طهران. لقد أثبتت الوقائع التي شهدها العقد الأخير إن ليس لدى إيران ما تقدمه لدول المنطقة سوى الموت بكل مفرداته وملحقاته. ما من بلد امتدت إليه اليد الإيرانية إلا وأصابه الخراب وشلت الفوضى حركة مواطنيه وجعلتهم يهيمون على وجوهم. نظرة سريعة على أحوال العراق وسوريا ولبنان واليمن تقدم فكرة عما تملكه الخزانة الإيرانية من أساليب ووسائل الانهيار والتخلف والانحطاط وصولا إلى انتحار المجتمعات ذاتيا. يعتقد الإيرانيون أن هروبهم من أزماتهم لا يتحقق إلا من خلال إشاعة الأزمات في محيطهم الإقليمي. وهو اعتقاد خاطئ، بسبب ما يمكن أن ينطوي عليه من تعقيدات، لن تكون إيران نفسها بعيدة عن التورط في السقوط في حبائلها. إيران ليست دولة عصية ومنيعة كما يحلو للبعض أن يقدمها. في النهاية فإن العسكرة لا تشكل ضمانة لبقاء الدول إلا في حدود وجودها القائم على تبادل الشعور بالذعر. وهو ما دأبت إيران على ممارسته. الأمر الذي حول المنطقة كلها إلى ترسانة لسلاح فائض، هدرت أموال كثيرة من أجل تكديسه لا خوفا من إيران بل إرضاء لوهم ميزان القوى. لقد دفعت إيران المنطقة كلها إلى حافات الهاوية فهل هي مستفيدة حقا من مشروعها السياسي الذي لم يُعرف شيء من ملامحه سوى الفوضى؟ هناك من يفكر في طريقة مختلفة. كان من الأفضل لإيران أن تقيم علاقات حسن جوار بجيرانها العرب. وهي علاقات يمكن أن تنفعها على المستوى الاقتصادي، ناهيك عن كون تلك العلاقات قد تكون مصدر قوة لها في موقفها السياسي. فمن خلالها يمكنها تحسين صورتها في العالم. لم تكن إيران لتنبذ عالميا بما هي عليه اليوم لو أنها كانت مصدر اطمئنان وثقة وراحة بالنسبة لمحيطها الإقليمي الغني بثرواته والقادر على استمالة الموقف العالمي إلى صالحها. سياسة إيران القائمة على معاداة العرب هي خطأ تاريخي، صارت تدفع ثمنه وهي تواجه العالم وحيدة ومعزولة عن محيطها الإقليمي. لا أثق بما يقوله الإيرانيون عن خلافاتهم العقائدية مع العالم العربي. فالإيرانيون وإن بدوا متشددين عقائديا هم بطريقة وبأخرى عمليون في التعامل مع الغرب في ما يخص بالمسائل الحساسة التي يشعرون أنها تمس أمنهم الوطني. لو أنهم تعاملوا بذلك الحس الأمني مع العالم العربي لما جروا أنفسهم إلى الوقوع في المنطقة التي اضطر فيها العرب إلى شيطنتهم. يقيم الشيطان الإيراني في غير مكان من العالم العربي. وو ما يجعل العرب يعيشون هاجس الخطر الإيراني كل لحظة. كان من الممكن أن يقلب التعاون الإيراني ــ العربي كل المعادلات في المنطقة بما يخدم إيران أولا. سياسيا ليس معقولا أن يكون حزب الله أهم من المملكة العربية السعودية. أما أن يكون الاصطفاف مع الحوثيين أهم من التعامل بشفافية مع دولة الامارات العربية المتحدة فتلك هي الحماقة الكبرة. وليس من مصلحة إيران أن تستعدي شعب سوريا من أجل حضور مؤتمر استانة. هناك خطأ في السياسة الإيرانية كان من شأنه أن يحجب حاجة إيران إلى جيرانها العرب الذين لن يكونوا في حاجة إليها إلا باعتبارها جارا. وفق هذا المنطق فإن إيران بسبب سياساتها قد خسرت بحجم ما خسره الآخرون الذين لم يتمنوا لها سو أن تكون جارا قويا ومصفا. فاروق يوسف