على مساحة ما يقارب سبعة إلى ثمانية آلاف كيلو متر مربع، تحتشد جيوش عملاقة بآلياتها العسكرية، اثنان منها تعتبر من أكبر جيوش العالم. على مدينة منبج والباب في الشمال السوري، ثمة حروب مضمرة وأخرى قابلة للاشتعال في أية لحظة تتربّص بهاتين المدينتين اللتين أصبحتا برميل بارود استحوذ على الأزمة السورية. وعلى الرغم من ضحالة هذه الجغرافيا، إلا أن لعاب الدول العظمى والإقليمية يسيل بشراهة للسيطرة على مدينة منبج التي باتت صورة مصغّرة تعكس واقع الصراع الدولي على سوريا، بينما مازالت خطوط الاشتباك حساسة في مدينة الباب التي تسيطر عليها قوات درع الفرات المدعومة من تركيا، فيما تنتشر قوات النظام على الجهة الجنوبية من المدينة. بين منبج والباب هناك ستة جيوش تحارب في الدائرة الواسعة من مدينة منبج إلى مدينة الباب، بمسافة لا تتجاوز 45- 50 كيلومتراً، ففي مدينة الباب تسيطر فصائل الجيش الحر ومعها القوات التركية، وعلى بعد كيلومترات من جنوب الباب إلى مدينة حلب تسيطر قوات النظام. ومن الجهة الغربية من مدينة منبج تقدمت في اليومين الماضيين قوات درع الفرات بدعم تركي، من أجل تحسين موقعها العسكري. بينما تبين أيضاً أن الجيش الروسي يتقدم من ذات الجهة في منطقة جب الحمرا، بينما تسيطر على قلب المدينة القوات الأميركية وتبقى قوات سوريا الديمقراطية في أطراف المدينة، مستعدة في أية لحظة للدخول في مواجهة مع تركيا في حال قررت أنقرة الاقتراب من المدينة. هذا التزاحم العسكري على مدينة منبج، باتجاه مدينة الباب صورة واقعية صادقة لطبيعة التنافس الدولي على محركات الصراع في الشمال السوري، وهي صورة مرعبة توحي بالانفجار في أية لحظة. خط أحمر وهذا ما عبرت عنه ناشونال انترست الأميركية، بقولها «في حال بقيت منبج تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، فإن أنقرة تعتبر ذلك خطراً على أمنها وسيستمر الصراع على هذا المنوال وقد تصبح ساعة الحرب وشيكة بين الأطراف التي كانت تعتبر حليفة حتى الوقت القريب. واعتبرت المجلة أن ما تخشاه الولايات المتحدة هو انجرار الأكراد إلى صراع مع الأتراك، وهم أيضاً حلفاء لأميركا، وإن حصل ذلك فسيحدث مأزقاً لدى المخططين العسكريين الأميركيين. من جهته، أوضح المحلل السياسي التركي زاهد أن الوجود التركي في سوريا يتركز حول عدم توسع الانتشار الكردي في الأراضي السورية، كونه يعتبر التمدد الكردي تهديداً للأمن القومي. وقال في تصريح لـ«البيان» إن القوات التركية حققت تقدماً في اجتثاث داعش من المناطق الشمالية، لذلك من حقها في إطار التحالف الدولي الاستمرار في قتال داعش، مشيراً إلى أنه لا يوجد طموحات تركية بالبقاء على الأراضي السورية في حال عاد الأمن والاستقرار، ولم يعد هناك تهديد للأمن القومي التركي. تنافس دولي أما المتخصص في الشأن السوري رئيس مركز أوكلاهوما للسلام، جوشوا لانديس فقال لـ«البيان» إن كل ما يجري في الشمال السوري يعكس حجم التنافس الدولي على موطئ قدم في الأزمة السورية، مشيراً إلى أن كل القوى الدولية اللاعبة تنظر إلى الشمال صمام أمان من شأنه الانفجار في أية لحظة، ومن هنا جاء التدخل الأميركي كضابط للإيقاع العسكري. واعتبر الباحث الأميركي أن اللحظة التي ستصطدم فيها الجيوش الستة هي نهاية تنظيم داعش، لافتاً إلى أن الصراع (الكردي - التركي)، أحد المخاوف التي تنتاب روسيا وأميركا، بينما النظام سيكون مستفيداً من هذا الاصطدام من الناحية العملية، ذلك أن إضعاف تركيا يعني إضعاف المعارضة وبالتالي سيكون البديل على الأرض هي قوات النظام السوري. صدام يطول وقال قيادي بارز في الجيش الحر – فضل عدم الكشف عن اسمه - في تصريح لـ«البيان» إن الصدام قد يطول بين الأكراد من جهة وبين درع الفرات والجيش التركي من جهة أخرى، بعد تزايد عدد القوات الأميركية في منبج ومحيطها، بالإضافة الى وجود القوات الروسية حديثاً في المناطق الغربية. وأضاف القيادي، أن المسار الطبيعي للحركة العسكرية في الشمال السوري، ينبئ بصدام إما تركي كردي أو بين درع الفرات وقوات النظام، إلا أن ذلك يتطلب تغييراً بسيطاً في موازين القوى. واعتبر أن انتشار الجيوش الستة على هذه المساحة الصغيرة في الشمال السوري، يجب أن يُعاد النظر فيه، إن لم يكن الآن، فبعد القضاء على تنظيم داعش في الرقة، حين تزول نصف مسببات الانتشار المكثف لهذه الجيوش.