حين علمت الشابة الروسية آنا أنها حامل أصيبت بالذعر، فهي غير متزوجة ولا دخل لها ولا دعم من عائلتها، فقررت التخلص من الجنين، إلا أن أمورها سارت في منحى آخر. فقد تلقفتها ناشطة مسيحية اقترحت عليها أن تصطحبها إلى دار للنساء الحوامل، وقالت لها «سنستقبلك لكن لا يمكنك أن تجهضي حملك»، كما تروي هذه الشابة البالغة من العمر 33 عاماً وهي تحتضن مولودتها الجديدة وإلى جانبها ابنة أخرى من علاقة سابقة في سن الرابعة. ويحمل هذا المركز اسم «بيت الأمهات»، وهو يقع في وسط موسكو ويمكنه أن يستقبل عشر نساء مع أطفالهن، وقد تأسس في العام 2012 في ظل مخاوف «الكنيسة والمجتمع» من الإجهاض، بحسب مديرته ماريا ستودينيكينا التي حثت آنا على الإبقاء على حملها. حبوب منع الحمل والواقيات في العام 1920، كان الاتحاد السوفياتي أول بلد يشرع الإجهاض، بعدما كان ممنوعاً في روسيا القيصرية. لكن ستالين عاد وحظره في العام 1936. وفي العام 1955، عاد الإجهاض ليصبح مشروعاً، وانتشر كثيراً في السنوات اللاحقة ليصبح وسيلة معتمدة من الراغبين في عدم الإنجاب. ومع سقوط الاتحاد السوفياتي في العام 1991، بدأت حبوب منع الحمل والواقيات تنتشر في روسيا، وشهدت البلاد حملات توعية كثيرة. لكن معدل الإجهاض حتى العام 1993 ظل الأعلى في العالم، مع 235 حالة إجهاض في مقابل كل مئة ولادة، ثم انحسر إلى الخُمس مع حلول العام 2015، وفقاً للإحصاءات الرسمية. ويشكل الإجهاض عائقاً أمام رغبة السلطات الروسية برفع نسبة الولادات في المجتمع، ويلقى معارضة من الكنيسة الأرثوذكسية في بلد يقول معظم سكانه إنهم من أتباعها، لكن 5% منهم فقط يمارسون الشعائر الدينية. وإضافة إلى الحجج الدينية التي ترفعها الكنيسة، تُشير إلى أن الإجهاض يساهم في الأزمة السكانية التي يعاني منها المجتمع منذ العام 1991. في العام 2016، تقدم نواب بطلب لإخراج عمليات الإجهاض من قائمة الخدمات الصحية المشمولة بالضمان الاجتماعي. وقد سقط هذا المشروع، غير أن مشروعاً آخر يقضي بإلزام المتستشفيات الحصول على إجازات جديدة لإجراء عمليات الإجهاض، تم إقراره. وجمعت عريضة تطالب بحظر الإجهاض 400 ألف توقيع، من بينها توقيع البطريرك كيريل رأس الكنيسة الأرثوذكسية. تعدياً على حقوق النساء يرى أنصار الإجهاض أن منعه يشكّل تعدياً على حقوق النساء وحقهن بالاختيار بين الإبقاء على الحمل أو التخلص منه. وتقول ليوبوف إيروفاييفا رئيسة منظمة «رانير» التي تعمل في مجال التوعية الجنسية «لماذا كل هذا النقاش في الوقت الذي تتراجع فيه نسبة الإجهاض». وكانت وزارة العدل صنفت هذه المنظمة بأنها «تعمل لحساب الخارج»، وهي صفة لطالما أطلقت على المعارضين السياسيين في الحقبة الشيوعية. وتواجه المنظمة أيضاً هجوماً متواصلاً من مواقع إلكترونية أرثوذكسية تتهمها بأنها تعمل لتقليص عدد السكان في روسيا. وتطال سهام الهجوم أحياناً وسائل منع الحمل، كما جرى في ديسمبر، حين أدت اعتراضات إلى منع افتتاح مصنع للواقيات. استشارات وبالتوافق مع وزارة الصحة، تمكنت الكنيسة من الدخول إلى المستشفيات وتقديم «استشارات» أسفرت عن إقناع «15 إلى 20%» من النساء بعدم الإجهاض. في السنوات الثلاث الماضية، ارتفع ثلاثة أضعاف عدد المستشارين والمراكز في إطار الحملة المضادة على الإجهاض، واقتنعت أكثر من 39 ألفاً و500 امرأة بعدم الإجهاض بعدما كن على وشك التخلص من الجنين، بحسب وزارة الصحة التي تُشير إلى انخفاض بنسبة 13% في حالات الإجهاض في العام 2016. لكن عالم السكان أناتولي فيتشنفسكي يرى أن انخفاض أعداد حالات الإجهاض مرده إلى انخفاض معدل الحمل بشكل عام في المجتمع الروسي. وقد عقدت مؤسسات دينية روسية مناهضة للإجهاض شراكات مع مؤسسات أميركية مماثلة. ويقول عالم السكان ساخراً «المحافظون الأرثوذكس في روسيا لا يحبون الولايات المتحدة، لكنهم يحبون الأميركيين المعارضين مثلهم للإجهاض».