يشير مفهوم الذكاء إلى أشكال متعددة من القدرات عند الإنسان، كالقدرة على المحاكمة العقلية، والقدرة على الاكتشاف، والقدرة على التلاؤم، وقد اغتنى هذا المفهوم أكثر بإضافة الذكاء العاطفي. ويشير الذكاء العاطفي الى تلك إلى القدرة على التعاطف مع الآخرين، والعلاقات المهذبة والنبيلة تجاههم، والإيثار والاحترام والصداقة والتعاون والنجدة وهي صفات يكتسبها الفرد عبر الثقافة والتعلم. ولا شك أن استعدادات البشر لامتلاك الذكاء العاطفي متفاوت كما هو الذكاء الاجتماعي والذكاء المعرفي والابداعي. وعكس هذا كله الغباء العاطفي؛ فالحقد والكره وقتل الآخر والتشفي بعذاباته والفرح بآلامه هو الغباء العاطفي. والغباء العاطفي من أخطر الظواهر على وحدة المجتمع وصحته النفسية والأخلاقية. ويكون هذا الخطر محدوداً إذا ظل في حدود قلة من الأفراد، ولكنه يصبح خطيرا إذا اتسع وانتشر بين الجماعات. لأن الغباء العاطفي يعني موْت الآخر. ما هي الشروط التي تقف وراء الغباء العاطفي؟ إن السلطة المستبدة هي المدرسة الأهم لتخريج الأغبياء العاطفيين؛ فالعاملون بأجهزتها متخصصون مهرة في الغباء العاطفي ومدرسون أكفاء في تعليمه. ومنتسبو هذه المدرسة وخريجوها لديهم استعداد فطري لاستيعاب دروس أساتذتهم وقدرة عجيبة على ممارسة مهنتهم، فالعنف الذي يمارسونه على الآخر إذا ما طال به الزمن، وإذا ما طال العدد الأكبر من السكان، فإنه يولد مع الأيام كائنات مشوهة عاطفياً، وعاجزة عن أن تشعر بآلام الآخرين. وإذا ما ترافق عنف المستبد مع انتشار حال الفقر بين السكان توافر الشرط الأخطر لتلبد العواطف تجاه الآخر. فتظهر عندها عصابات السلب والنهب بل والقتل المعبرة عن الغباء العاطفي. وتواجه شعوبنا العربية خطر نمط من الغباء العاطفي قلما شهدته من قبل، ألا وهو الغباء العاطفي للجماعات الطائفية المتعصبة والعنفية التي تتكئ على خطاب ديني مشوه، وتخرج كل ما في غبائها العاطفي من حقد على الآخر. المشاهد للعنف الذي يمارسه حزب الله اللبناني والحوثيون في اليمن وتنظيم داعش في الشام والعراق وغيرها من البلدان والتيارات الأصولية الأخرى يدرك ماذا يعني موْت الآخر وماذا يعني خطر الغباء العاطفي. ولعمري إن تحصين المجتمع ببث ثقافة التسامح والتعاطف والانتماء والتعاون المعشري بوصفها ثقافة الدولة نفسها أمر في غاية الأهمية، بل إن الذكاء العاطفي ليس معلماً من معالم رقي الفرد فقط. وإنما مظهر من مظاهر الرقي والتقدم الإنساني، فانتصار النزعة الإنسانية بكل ما تنطوي عليه من قيم مطابقة هو في نهاية الأمر انتصار الآخر وانتصار الآخر يعني بأنه أصبح قيمة عليا. ولما كان كل إنسان هو أنا وآخر في الوقت نفسه فإنه لا يمكن العيش إلا في عالم تسوده قيم الذكاء العاطفي. هنا بالذات تبرز أهمية الأسرة والمدرسة والإعلام بكل أشكاله والأدب والفن والموسيقى في تعميم قيم الذكاء العاطفي لخلق جيل سوي لا يكون عرضة في المستقبل لاصطياد أصحاب الغباء العاطفي.