أكد فضيلة الداعية د. محمود عبدالعزيز يوسف أن العتاب والمعاتبة من أفضل ما يُبقي المودة، ويُشعر بالرحمة والقرب والألفة، لافتاً إلى أن المولى -عزّ وجلّ- كان يعاتب أنبياءه ورسله وعباده الصالحين، وهو ما نجده في أكثر من موضع من آيات الذكر الحكيم، ومنها قول الحق -تبارك وتعالى-: (عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم) وقال -سبحانه-: (يا أيها النبي لِمَ تحرم ما أحل الله لك)وأوضح في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس، بمسجد عقبة بن نافع، أنه حين نتأمل نصوص السيرة النبوية نجد كيف أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أحرص الأمة على الأمة، فكان يعاتب مشيراً إلى قوله -صلى الله عليه وسلم-: (نعم العبد عبدالله لو كان يقوم من الليل)، والذي يشد الانتباه ويلفت النظر، إلى سمو الأدب في آيات المعاتبة والعتاب. وبيَّن الخطيب أن في طيّات نصوص السنة نقرأ شدة الحرص والرحمة بالأمة، من خلال همسات العتاب ومواقفه، وبمثل هذا يبقى العتاب أسمى ما يكون حين يؤلف القلوب، ويرتق الفتق، في رحمة وإشفاق، مضيفاً: من هنا وجب على المتحابين بجلال الله أن يرقَوا بمعاتباتهم، وأن تسمو بهم روح الإيمان، فتتعانق الأرواح طهراً وحباً، لتداوي جراحها بيد الإشفاق والعطف والرحمة. وأضاف: تلكم هي الروح السامية بسمو الإيمان، وهي الروح التي تأسرك بشفافيتها، والطاهرة طهر المزن في سمائها، وهي الروح التي تجذبك إليها بلطف، وتدفع عنك الأذى بحرص، حيث تخرج منها الكلمة، فتسمع روحك همسها قبل أذنك، مشيراً إلى أنها ليست معاتبة، بل هي همسات الروح للروح. وتساءل د. محمود: فهل بلغنا نحن مبلغ الأخوة التي يغبطنا عليها الأنبياء والشهداء والصالحون؟! أم أن نفوسنا لمّا تزل ترابيّة الأصل والطموح؟! وقال: حتى نخطو خطوة نحو السمو، ونعيش أخلاء أوفياء أصفياء أنقياء في فن المعاتبة والعتاب، فلا بدَّ من استيعاب عدد من الوصايا أبرزها: أن كثرة اللوم في الغالب لا تأتي بخير، لكن ليس كل اللوم، وإنما كثرة اللوم والعتاب، فإنها تنفّر منك الصديق، وتبغّض عليك العدو، وتابع: ثق تماماً أن لحظة كدر في عتاب قد تفسد عليك أخوة دهر، وتسرع في عتاب يفرّق عليك رأس المال. أما الوصية الثانية فهي ألا تطلب من الآخرين عدم الخطأ، وإنما أن تطلب منهم ألا يستمروا في الخطأ إذا علموه. المبادرة بالصلح نصح خطيب الجمعة بإزالة الغشاوة عن عيني المخطئ، حين نرى الخطأ، وألا نتشنج أو يتعكر صفو مزاجنا، وأن نتمهل فقد يكون المخطئ قد غطّت على عينيه غشاوة الخطأ أو المعصية، لذا يتعين ألا نستعجل في الذم أو التقبيح، مشيراً إلى قصة الشاب الذي دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول : يا رسول الله، ائذن لي في الزنا، وبينما كان من بعض الصحابة من استوفز، ومنهم من تقطّب جبينه وفيهم من قال: دعني أضرب عنقه، بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يعدُ عن أن تبسم، وقرّب الفتى إليه، وقال له: « أترضاه لأمك؟! أترضاه لأختك؟! والفتى في كل جواب يقول: لا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «فكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم وأخواتهم». ونصح الخطيب باختيار الكلمات اللطيفة في العتاب والمعاتبة، وألا نقبّح، أو نسب أو نشتم، لأن المؤمن ليس بالطعّان ولا اللعَّان ولا الفاحش البذيء، وواصل د. محمود في سرد نصائح العتاب فقال: اترك الجدال في عتابك، ولا تجادل لأنك بالجدال قد تخسر النتيجة، وقد تكون أنت المحق، موضحاً أن المجادل قد يربط الحق بكرامته، فيدافع عن كرامته لا عن الحق، لافتاً إلى قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حق الجدال: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقّاً». ودعا الخطيب إلى الرفق، مشيراً إلى أنه ما كان الرفق في شيء إلا زانه، لافتاً إلى الحديث «إن الله رفيق يحب الرفق» وللحديث «وإن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق»!;