×
محافظة مكة المكرمة

أمانة الطائف: مخطط الخليج تم اعتماده

صورة الخبر

النسخة: الورقية - سعودي من المؤكد أنه ما من دار سينما على امتداد العالمين العربي والإسلامي ستجرؤ على عرض الفيلم الأميركي «نوح» لراسل كرو، لئلا تصير مضغة للنار، كما هدّد بذلك أحد مشايخ الأزهر، ولكن المؤكد أن سياسة الحجب والمنع لن تقف حائلاً دون مشاهدة الفيلم وبضغطة زر على أي جهاز متصل بالشبكة العنكبوتية. إن من يسمع زمجرة شيوخ الدين - وهم يحرّمون ويجرّمون من يجسّد شخصيات دينية وتاريخية من أنبياء وصحابة - يحسب أنهم يستندون إلى دليل فيه تصريح أو تلميح من القرآن أو السنة، ولكنهم لا يستندون إلا إلى اجتهاداتهم البشرية مثل باب سد الذرائع. ولقد سئمنا من تكرار القول بأن المصادرة والمطاردة لن تُلجم الناس، بل ستغريهم بمشاهدة ما يحرّمه عليهم مشايخُهم، لأن الإنسان مطبوع على تجريب الممنوع، وتلك هي سنّة الله في خلقه، ولن تجد لسنته تبديلاًً. قد يسأل سائل: أليس من الجائز أن تتضارب الخطوط العامة للفيلم الهوليوودي مع ما يجده المسلم مسطراً في القرآن الكريم ومبثوثاً في بطون التفاسير حول نوح وقصته مع قومه؟ والجواب عن هذا السؤال أن مخرج الفيلم - بحسب ما قرأت - كان حريصاً على أن يبقى في مسافة قصيرة من الأديان الإبراهيمية، مع العلم أن الاختلافات بين تلك الأديان حول القصة تبدو هامشية بعض الشيء. ولكن، أيكفي هذا لكي يحصل الفيلم على جواز عبور إلى البلدان العربية؟ والجواب: كلا وألف كلا. لقد ذهب مشايخ الأزهر قبل 60 عاماً إلى أن الكذب واقع لا ريب فيه عند تمثيل الأنبياء أو الصحابة، لأن ما في أيدينا من نتف عن أخبارهم لا يكفي لبناء عمل فني متكامل ما لم نسد تلك الفُرج بكلام متخيل، وهو ما سيجرّ إلى الوقوع في دائرة الكذب. والكذب على الأنبياء كذب على الله، وهو ما يوجب الكفر به. ولقد وضع الرافضون لتجسيد أدوار الأنبياء والصحابة أسباباً شتى لرفضهم، ولعل أكثرها طرافةً ما قيل بأن التمثيل يفضي بالضرورة إلى الغِيبة. ففي رسالة بعث بها سائل من دمشق إلى الشيخ محمد رشيد رضا ذكر فيها أن تلاميذ المدرسة العثمانية قدموا مسرحية تصور الزبالة الأخيرة من أيام العرب في الأندلس، فثار بهم بعض من الحشوية يحرضون عليهم ويشنعون بهم، لأنهم يريدون هدم الإسلام من خلال تذكير المسلمين بانقراض دولتهم وضياع زينة ملكهم في الأندلس، وفوق هذا فهم يغتابون أناساً قد ماتوا وشبعوا موتاً. وعلاوة على ذلك، فإن المشايخ (ومن لفّ لفهم) يعتبرون أهل الفن من سقط الناس، وليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة، ولا للأخلاق الإسلامية محل في دائرة أخلاقهم، ولا للقيم الإنسانية اعتبار عندهم. ولأنهم على تلك الشاكلة فلا عجب أن تجد أحدهم يتقمص شخصية رجل صالح أو شهم أو عفيف لأجل ما سيتقاضاه من مال، فإذا ما خلع ثياب شخصيته عاد إلى سيرته الأولى، ضاحكاً لاهياً ساخراً مُعرِضاً عن الجوانب المشرقة في حياة من جسّد أدوارهم. وبما أن أهل الفن أبعد ما يكونون عن سمت شخصيات لها مكانة سامقة في وجدان كل مسلم اشترط بعضهم على من يؤدي أدوار الصحابة بأن يطلّق الفن طلاقاً بائناً حتى لا يُرى في مشهد آخر وهو يحاضن امرأةً أو يعاقر خمراً. أما المرشد الأعلى لجماعة الإخوان الإرهابية يوسف القرضاوي فأجاز لمن يتقمص شخصية أحد الصحابة أو السلف الصالح أو الأئمة المعروفين بأن يكون مشهوداً له بين الناس بالاستقامة والسيرة الطيبة، وإلا فلا. لقد شاهدنا الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في عمل تلفزيوني قبل عامين، فهل ضرَّه المسلسلُ في شيء؟ لا، بل إن المسلسل عرّفنا جوانب مشرقة من حياة هذه الشخصية العبقرية، فزاد من حبنا لها، وتعلقنا بها. لقد آن الأوان لكي يعيد الفقهاء النظر في فتاواهم القديمة التي لا أظنها ستصمد طويلاً في وجه طوفان الصورة.     alsaeed@alhayat.com