إعداد: عبير حسين غامروا بحياتهم للحفاظ على استقلالهم وهويتهم عبر إنقاذ لغتهم الأم. بنوا شبكة معقدة لتهريب الكتب وتوصيلها للعائلات التي تتحدث باللغة الليتوانية، يحدوهم الأمل بأن يتعلم الصغار في هذه المنازل كيفية القراءة والكتابة بلغة آبائهم وأجدادهم حتى لا يطمرها النسيان. اضطلعوا بمهمهتم الخاصة متطوعين دون انتظار عائد أو تكريم، ولأنهم جنود مجهولون، خصصت لهم ليتوانيا هذا اليوم من كل عام عيداً وطنياً للاحتفاء بمهربي الكتب. تعود بداية القصة إلى أواخر القرن ال 19 بعد فرض القيصر ألكسندر الثاني قانوناً مجحفاً عام 1864 بفرض اللغة الروسية لغة رسمية في المناطق التي سيطرت عليها من ليتوانيا وبولندا، في محاولة لإحكام قبضتها عليها. تضمن القانون حظر استيراد وتوزيع الإصدارات المكتوبة باللغة الليتوانية، في خطوة أولى كانت تهدف إلى اندثار الكتب، ومن بعدها اللغة تدريجياً مع تعاقب الأجيال التي ستنشأ على القراءة بالروسية وحدها. واجه قرار القيصر مقاومة قوية من الليتوانيين الذين حرصوا على تجميع وتهريب الكتب إلى المناطق ذات الأغلبية الليتوانية، وكانت تلك الكتب أحد أهم أسباب اندلاع العصيان البولندي الليتواني ضد السلطة الروسية بعد ذلك بأعوام. ويرجع الفضل الأول في تكوين شبكة مهربي الكتب إلى jurgis Bielinis بائع الصحف البسيط، الذي نجح في تكوين شبكة كبيرة من المهربين أوصلوا أكثر من 30 ألف كتاب خلال العام الأول للحظر، حتى انكشف أمرهم وألقت السلطات الروسية القبض على عدد منهم، وأنزلت بهم عقوبات قاسية بعضها كان الإعدام، والأخرى كانت النفي إلى سيبيريا. لم يثن التنكيل بمهربي الكتب أصدقاءهم ومن أشهرهم فينكاس جوسكا عن استكمال المشوار، بل زادهم حرصاً فكانت النتيجة المذهلة اتساع شبكاتهم وتعقيدها على النحو الذي صعّب على السلطات الروسية تعقبها والنيل من أعضائها بعد ذلك، حتى وصلت الكتب المهربة بعد ذلك كل عام إلى حوالي 40 ألف كتاب. تضمنت الكتب المهربة طيفاً واسعاً من المؤلفات، خاصة الأدبية والتاريخية، وكانت سبباً في الحفاظ على اللغة والهوية، ودفعت روسيا بعد ذلك بالعام 1904 إلى إلغاء هذا الحظر، بعدما ثبت فشله من جانب، ولرغبتها في تهدئة الداخل المعارض لفرض نفوذها على أراضيه بسبب تورطها في الحرب الروسية اليابانية من جانب آخر.وتحيي ليتوانيا ذكرى «مهربي الكتب» كل عام بتدشين عدة مكتبات عامة تحمل اسم«مهربي الكتب»، إلى جانب نصب تذكاري خاص بهم يتوسط أكبر ميادين العاصمة فيلينوس، إضافة إلى عشرات الفعاليات الثقافية والأدبية التي تتحدث عن تجربة عدد محدود من الأفراد الذين نجحوا في الدفاع عن لغة شعب أمام نفوذ إمبراطورية قوية مترامية الأطراف. وبفضل «مهربي الكتب» تم الحفاظ على اللغة الليتوانية التي يستخدمها اليوم 3 ملايين متحدث في ليتوانيا، إضافة إلى ملايين آخرين منتشرين عبر 18 دولة أخرى. كما تعتبر إحدى لغتي البلطيق، واللغة الأخرى هي اللاتفية.