×
محافظة القصيم

يوسف الصالحي رمز من رموز نجاحات عنيزة

صورة الخبر

الخبرة تقول لنا إن الناس لديها القدرة على تجاوز الأفق المرسوم مسبقا لوظائفهم للتعالي بها في آفاق جديدة ومختلفة من يبحث في مجال الضيافة يعلم أن هذا المفهوم يستخدم في مجال التسويق التجاري، خصوصا في الخدمات الفندقية والخدمات السياحية بشكل عام. المفارقة تبدو للوهلة الأولى كالتالي: الفندق يقدم نفسه كجهة في الضيافة فيما يتقاضى أجرا على خدماته. في المقابل الضيافة كما هي معلومة تعني أن تخدم ضيفك بلا مقابل. أحد الأسئلة التي تنتج عن هذه المفارقة هو التالي: هل هناك مجال لتواجد الضيافة في المجال الاقتصادي؟ أو بشكل أدق هل يمكن أن تتواجد الضيافة في العلاقات التي تقوم على تقديم الخدمات بمقابل مادي؟ يمكننا من البداية تصور اتجاهين رئيسين للجواب عن هذا السؤال: الجواب الأول ينفي إمكانية الضيافة داخل العلاقات الاقتصادية باعتبار أن جوهر الضيافة هي رعاية الآخر بلا مقابل. في المقابل يمكننا أن نتصور موقفا مقابلا يجد للضيافة مساحة داخل العلاقات الاقتصادية. السؤال الذي سيساعدنا، برأيي، لفحص هذه الاحتمالات بدقة هو التالي: هل يستغرق المعنى الاقتصادي كل العلاقة بين أ و ب؟ بمعنى أن العلاقة بين ساكن الفندق والعامل في الفندق هي علاقة بين إنسانين في مجال اقتصادي مباشر: تقديم خدمة السكن والإقامة بمقابل مالي، والسؤال إذن: هل يستغرق «يغطي بالكامل» الجانب الاقتصادي كل العلاقة بين هذين الإنسانين؟ هل هناك مجال لتواصل المقيم في الفندق مع مقدم الرعاية الفندقية خارج السياق الاقتصادي؟ هل يمكن لكل منهما أن يرى الآخر خارج هويته الاقتصادية؟ هل يمكن لمقدم الخدمة الفندقية رؤية الزبون خارج هويته كزبون؟ وهل يستطيع الساكن رؤية مقدمة الخدمة خارج هويتها الوظيفية؟ الضيافة هي في لبها الترحيب بالقادم كآخر خارج كل تعريف مفترض. لذا المضياف يفتح بابه معلنا عن التخلي عن قدرته على التحكم فيمن يدخل عليه ومن لا يدخل. هنا لا يكون التعريف هو مفتاح العبور بقدر ما هي الآخرية. الفنادق لا تعمل ذلك فهي لا تفتح أبوابها للجميع. هي تفتح أبوابها لجميع من يستطيع الدفع. بمعنى أن الخدمة اليوم في كثير من أماكن العالم، بعد قرون من التمييز، أصبحت متاحة للجميع ما عدا الصفة الاقتصادية. بمعنى أنها الترحيب مفتوح للجميع على المستوى الديني والعرقي والجنسي باستثناء الحالة الاقتصادية. المقصود بالحالة الاقتصادية هنا القدرة على الدفع وليس بالضرورة الطبقة الاقتصادية باعتبار أن الفندق لن يمنع العامل من السكن لو استطاع دفع فاتورة الإقامة. الفنادق ليست الأماكن التي يقصدها طالبو المساعدة هذا أكيد، لكن هل هناك مساحة للضيافة وسط كل هذا؟ سأضرب المثال التالي لعله يساعدنا على الفهم. حين نزور الطبيب الخاص الذي يعمل بمقابل مادي يمكن أن نلاحظ الطبيب المضياف وغير المضياف. الطبيب المضياف يتعامل مع مرضاه بطريقة مضيافة لآخريتهم، بمعنى أنه يعتني بهم وينفتح عليهم خارج هويتهم كزبائن أو حتى مرضى. نحس بهذا من خلال الاهتمام والحوار الذي يجري بيننا وبين طبيبتنا أو طبيبنا. في المقابل طبيب آخر أيضا يتقاضى مقابلا على خدماته لا نشعر بذات البعد بسبب أنه يتعامل معنا بآلية حادة بلا بعد إنساني. المثال يقترح حالة لإمكان الضيافة داخل العلاقات المشروطة بالمنفعة المالية. نحن أمام الطبيب في حالة انكشاف ناتجة عن ألم المرض، حالة ضعف، ترفع حساسيتنا تجاه مشاعرنا تجاهنا. لذا نشعر بعمق ترحيبه حتى ولو كان بسيطا. في الخدمات الفندقية، الزبون غالبا غريب ومسافر. الغربة والسفر كذلك ترفع حساسيتنا تجاه سلوك الآخرين تجاهنا. نتحسس أكثر من طريقة التعامل معنا وتطاردنا كل الصور النمطية عنا وعن الآخر. لذا يرتفع مستوى تقديرنا لسلوك الآخرين تجاهنا. السؤال إذن: هل تستطيع الفنادق، ممثلة في العاملات والعاملين فيها، ملامسة هذا البعد في حياة زوارها؟ هل يتعاملون بضيافة مع حالة السفر والغربة لدى زبائنهم؟ هل يقدمون أفقا للعلاقة مع زبائنهم يتعالى على الحسابات المالية لتكلفة الإقامة والخدمة؟ أعتقد أن هذه الأسئلة توجهنا باتجاه إمكان الضيافة في السياق التجاري والاقتصادي. هناك إمكان لمقاومة استحواذ البعد الاقتصادي على العلاقة بين البشر. البعد الاقتصادي يفتح إمكان اللقاء بين الناس. ماذا ينتج عن هذا اللقاء مفتوح على احتمالات متعددة أحدها برأيي الضيافة. إمكان الضيافة في المجال التجاري مدفوع بثقة وأمل فيمن يعمل في تلك السياقات. الخبرة تقول لنا إن الناس لديها القدرة على تجاوز الأفق المرسوم مسبقا لوظائفهم للتعالي بها في آفاق جديدة ومختلفة. هذا الأمل يكمن خلف تصور الضيافة في المجال العام، والذي لا يمكن فصله بشكل سهل عن طبيعته الاقتصادية. العامل في الفندق مثله مثل المعلمة في المدرسة أو الطبية في المستشفى أو العسكري في الطريق يذهبون لأداء مهامهم مدفوعين ببعد اقتصادي مهم، ولكن هذا لا يستغرق معنى أعمالهم. في أعمالهم أيضا العمل من أجل الآخرين، من أجل العناية بهم ومساعدتهم. لعل هذا ما يحدث الفرق لدينا بين الفنادق التي تتقاضى كلها أجرا، ولكن نجد في أحدها دون الآخر بعدا يشعرنا فعلا بالسكن والرفقة.