قاتل الله الشاعر القديم الي قال: ألا ليت اللحى كانت حشيشا / فنطعمها خيول المسلمينا كان ذلك شاعرا متهتكا، ولو أن الأمر بيدي لسودت وجهه بالقار. وقد يسألني أحدهم ومعه كامل المنطق عندما يقول: إذا كان هذا هو موقفك من اللحية يا فالح فلماذا لا تطلقها أنت؟! وأقول له: إنه سبق لي أن أطلقتها، ولكنها مشعثرة ذات اليمين وذات الشمال تخيف حتى الأطفال ولا تسر الناظرين، وهناك احتمال أنني سوف أعيد الكرة مرة أخرى. والغريب أن كل رجال الدين في الديانات السماوية وغيرها لا يتنازلون عن إطلاقها، وهذا ما يحمد لهم. وبعيدا عن الدين، فيذكر أنه في أيام روسيا القيصرية في عهد (بطرس الأكبر) فإنه وضع ضريبة على جميع أصحاب اللحى، ولم يكن مستثنى من ذلك إلا الأغنياء بحيث أصبحت اللحية علامة من علامات النبل والغنى، وكانوا يدفعون لمن يؤدون الضريبة عن لحاهم نوطا من النحاس، وكان مرسوما على إحدى صفحتي النوط رأس رجل كبير اللحية وعلى الصفحة الأخرى تاريخ السنة المعطى فيها ذلك النوط، وكان كلما دخل رجل مدينة قضى عليه بأن يبرز نوطه، والويل لمن لم يكن معه ذلك النوط فكانوا في الحال يسوقونه إلى السجن ويزجونه فيه. وفي تاريخنا الإسلامي المجيد، يذكر أن السبب الداعي للشيخ (جمال الدين الساوي) إلى حلق لحيته أنه كان جميل الصورة، حسن الوجه، فعلقت به امرأة من أهل ساوة، معجبة بحسن لحيته، وكانت تراسله وتعارضه في الطريق، وتدعوه لنفسها، وهو يمتنع، فلما أعياها أمره دست له عجوزا تصدت له إزاء دار على طريقه إلى المسجد، وبيدها كتاب مختوم، فلما مر بها قالت له: يا سيدي أتحسن القراءة؟! قال: نعم! قالت له: هذا الكتاب وجهه إلي ولدي، وأحب أن تقرأه علي فقال لها: نعم! فلما فتح الكتاب قالت له: يا سيدي إن لولدي زوجة، وهي بداخل الدار، فلو تفضلت بقراءته بين بابي الدار بحيث تسمعها، فأجابها لذلك، فلما توسط بين البابين أغلقت العجوز الباب، وأخرجت المرأة جواريها فتعلقن به، وأدخلنه إلى داخل الدار، وراودته المرأة عن نفسه، فلما رأى أن لا خلاص له قال لها: إني حيث تريدين، فأريني أولا بيت الخلاء! فأرته إياه، فأخل معه الماء، وكانت عنده موسى جديدة فحلق رأسه ولحيته، وخرج عليها فاستقبحت هيأته، واستنكرت فعله، وأمرت بإخراجه، وعصمه الله بذلك فبقي على هيأته فيما بعد، وصار كل من يسلك طريقته يحلق رأسه ولحيته. لهذا أنا في هذه الأيام أقتدي بشيخي (الساوي)، لكي يعصمني الله من (بنات آوا).