إن النفاق الاجتماعي هو المطالبة بالحق حين يكون لك، أو حين لا يعنيك أمره إذا وجب على غيرك، فمثلا تجد الواحد من هؤلاء يعلنها حربا شعواء على غش الطلاب في الامتحانات، وأن ذلك سيدمر مستقبل البلد، فلا طب، ولا تعليم، ولا هندسة، ولا تطور، مع وجود الغش في التعليم، فالغش هو البوابة الرئيسية للتخلف. ثم تجد هذا الإنسان ذاته بشحمه ولحمه هو من يتسور أسوار المدرسة، ويحاول التأثير على رئيس المركز الامتحاني، وعلى المراقبين، متعللا بأعذار واهية، فهذه مادة الإنجليزي، وهذه مادة رياضيات، وهذه المادة تأخرت كتبها، وهذه المادة كانت بلا مدرس إلى منتصف العام، وهذه المادة كذا وكذا، وهذ هو النفاق الاجتماعي الذي نحذر منه. ومظهر آخر من مظاهر النفاق الاجتماعي يتعلق بالرشوة، فتجد الواحد من هؤلاء يسرد آثار الرشوة المدمرة في حق صاحبها وحق المجتمع وحق الوظيفة التي يتولاها من ليس أهلا لها، ويؤكد أن الراشي والمرتشي والرائش بينهما كلهم ملعونون كما ورد في الحديث، مؤكدا أن انتشار الرشوة هو العنوان العريض للفساد الإداري. ثم تفاجأ أن هذا الإنسان الذي يقف من الرشوة، والراشي والمرتشي والرائش بينهما يتغير موقفه ليصل إلى منصب لا يستحقه، أو وظيفة ليست له، وإذا به يسعى للرشوة باحثا عن المرتشي، جادا في اكتشاف الرائش بينهما، وكل همه أن يعرف لمن يقدم الرشوة، ما هي الوجهة الصحيحة التي يضع فيها الرشوة، حتى لا يضعها في المكان الخطأ، وهكذا تتحول مواقف الحياة من النقيض إلى النقيض. والسمة الغالبة على النفاق الاجتماعي أنك تجد صاحبه يطالب بالحق حين يكون الحق له، ويقف ضد الحق حين يكون عليه، ويطالب بالعدل ما دام العدل يعطيه، ويحارب العدل إذا كان العدل الأخذ منه، وأنه يطالب بالحقوق ويمتنع عن أداء الواجبات التي عليه.