×
محافظة المنطقة الشرقية

عمرها 10 سنوات وألفت كتابين.. سعودية تحارب السرطان بالكتابة

صورة الخبر

تناول برنامج "كلام كبير" والذي يقدمه الأستاذ محمد ناصر، طرحاً غاية في الأهمية والخطورة، عرض الطرح في صورة سؤال: "هل المصالحة السياسية في مصر هي الحل الوحيد المناسب للخروج من الموقف الحالي؟". استضاف ناصر المحامي منتصر الزيات، ود.أحمد عبد العزيز مستشار الرئيس محمد مرسي، والأستاذ ياسر الغرباوي مدير مركز التنوع لفض المنازعات، والباحث الأستاذ ياسر فتحي، وجمعاً من الشباب المغترب الذين مثَّلوا جمهور الحلقة. تم أخذ رأي الجمهور في سؤال الحلقة، وكان رأيهم يصب في خانة عدم التصالح؛ لأنها تعد خيانةً وتفريطاً، علق ناصر على رأى الشباب بأنه جمهور صغير جداً في السن ليس لديه خبرة ولا ثقافة ولا رؤية، وكل ما يشغله هو الثأر. لم أتفهم فكرة دمج كواليس تحمل رأي مقدم البرنامج لتُعرض داخل إطار الحلقة، فهذا النوع من الدمج ربما يكون أكثر مناسبة لبرامج مسابقات كـ"آراب أيدول" أو "ستار أكاديمي"، وليس في إطار برنامج حواري يناقش قضية جوهرية مصيرية كالمصالحة! كما أني لم أتفهم نقد شباب واتهامهم بضحالة الفكر في برنامج هو من استدعاهم لاستطلاع رأيهم؟! فلِم إذاً لم يختَر القائمون على البرنامج عينةً أكبر سنّاً بمواصفات يقبلونها؟! رأى الغرباوي أن رأي هذا الجمهور يؤشر إلى أنه لو استمر هذا التصاعد فستقع مصر في أتون حرب أهلية، وسيصبح فيها الكل عدواً للكل ما لم يتوقف خطاب الكراهية، وأن الإخوان المسلمين ربما لا يشاركون في عنف، ولكنهم يهيئون البيئة المناسبة له، فهم إن سيطروا على أعضائهم فلن يستطيعوا السيطرة على المتعاطفين معهم. وأجد هذا الكلام غريباً بعض الشيء في هذا التوقيت، وخاصة مع انكسار الموجات الثورية وانعدام الحراك! قارب الغرباوي بين مصالحة الإخوان مع السادات ومصالحتهم مع النظام الحالي، وتجاهل أن المصالحة مع السادات جاءت في بداية حكمه بعد ترسيخ نظام حركة يوليو/تموز، وأن السادات كان بحاجة ماسة لكل أمل في إرساء شعبية له بعد عبد الناصر وخاصة، في ظل هزيمة 67. ورجوع الإخوان للشارع كان كاستعانته بشيوخ وعلماء دين ليعيدوا للجيش همته قبيل حرب أكتوبر/تشرين الأول. طرَح الغرباوي مصالحة بينوشيه، رئيس تشيلي، مع المعارضة كمثال، لكنه لم يذكر الظروف التي مهدت لهذا التصالح، وما شكله الجناح العسكري للحزب الشيوعي المحظور هناك من توتر وضغوط على نظام بينوشيه ليجبره في النهاية على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. رأى منتصر الزيات أن مصالح الأوطان والحفاظ على الأنفس مقدمة على المصالح الحزبية والسياسية، في إشارة غير مفهومة إلى أن التيارات السياسية إنما تبحث عن مصالح حزبية وسياسية على حساب الوطن؟! وأتساءل: هل صار كل ما صار إلا من أجل الوطن؟! حذر الزيات من شيوع ثقافة الغالب والمغلوب؛ لأن الطرف المهزوم سيكون لديه دائماً رغبة في الانتقام، كما قال: "إن شيوع هذه الثقافة يقسم المجتمع"، وكأنه لم ينقسم؛ بل ويتفتت بالفعل! قال الزيات إن طرحه ليس مصالحة بين الإخوان ونظام السيسي، فهو معني بالدولة والناس والأرواح والدماء والحالة الاقتصادية، في حين أن خطابه والأستاذ الغرباوي كان موجهاً ضمنياً صوب الإخوان طوال الوقت! رأى الزيات أن هناك إشكاليات جوهرية أمامه في طريق المصالحة؛ أولاها اللاءات من طرف النظام ومن طرف الضعفاء من قوى الثورة، وثانيها في استمرار العنف على الأرض والاغتيالات والتفجيرات والخروج عن القانون في ظل محاكمات غير عادلة؛ وأرى هنا أنه أثبت اتهاماً غاية في الخطورة -دون أن يصرح- بحق الطرف الإسلامي، حين لمح إلى فكرة أن العنف ناتج عن غياب المحاكمات العادلة. وحين سأله الغرباوي عن الحلم الذي يقدمه لشباب لم يعد لديهم إيمان بفكرة الدولة من الأساس؟ قال إن الحلم هو الدولة، وإنه إذا ما خُيّر بين الدولة والفوضى لاختار الدولة، فتجارب دول كسوريا والعراق توضح أنه إذا ما انفرط عقد الدولة سادت الفوضى. وحين سأله أحد الضيوف: هل الحرية مقدمة على الدولة أم العكس؟ أجاب بأن الدولة يمكن أن نصنع فيها مناخاً حراً، فأنت بالحرية دون دولة (لاجئ). هذه الإجابة أعادتني في ثوانٍ إلى تهديد مبارك أيام الثورة "إما أنا أو الفوضى"، وإلى تهديد النظام الحالى "حتى لا نصبح مثل سوريا والعراق". وكما أقول دائماً؛ لأننا الطرف الأضعف تضعنا القوى العالمية بين شقي الرحى، بين خيارين أحلاهما مُرٌّ، حلان يصلان بنا في النهاية إلى النتيجة نفسها، فإما استعمار خارجى وإما استعمار بالوكالة، إما فقر مدقع وانهيار اقتصادي وتشرد ولجوء بسبب الفوضى وإما بإجراءات سرابية مقننة يحسبها الظمآن ماء، فتظن أنك تعيش في دولة ذات دستور وتشريعات، إذاً فحقيقة الخيار هو: هل تقبلون مواجهة الشيطان أم تكتفون باتباع ذريته؟ سأله د.أحمد عبد العزيز: "خلال الثلاث سنوات الماضية من عمر الانقلاب، ما المؤشرات التي تجعلني أقتنع بأن هذا النظام الانقلابي يمكن أن يقبل بالمسار الديمقراطي؟"، فأجاب بأن عليهم أن يستقطبوا العقلاء وأن يستخدموا الحالة الاقتصادية المتردية في صنع جماعة ضغط شعبية لاستعادة هذا المسار. وفي نظري، تعد فكرة استعادة المسار الديمقراطي هي أغرب ما ورد بهذا الطرح حقيقة؛ فلديك نظام مسيطر بالكامل على أعصاب البلاد، انتهك كل المحرمات والقيم والقوانين لينقلب على مكتسب شرعي لثورة شعبية، فما الذي قد يجبره على ترك كل ذلك ليسترجع مساراً ديمقراطياً إلا إذا كان هذا المسار ظاهره الديمقراطية وباطنه الذل والخنوع؟ ترتكز مبادرة الزيات على نقاط أربع: أولاً: تحديد الجهات المخطئة ومعاقبة كل من اقترف جرماً. وكأن من قتل وحرق واعتقل سيقبل بمصالحة تفضي به إلى حبل المشنقة! ثانياً: تغييب الخطاب الإقصائي من كل طرف ضد الآخر. ثالثاً: إعداد لقاءات مفتوحة وإجراء حوار مجتمعى. رابعاً: إنشاء لجنة مصالحات معنيَّة بوضع قوانين وإرساء أسس للمصالحة. أما عن أطراف المصالحة في نظره، فهي نظام مبارك والثورة، نظام 30 يونيو/حزيران والإخوان، نظام السيسي والثوار، ورغم ذلك يتمحور حديثه والأستاذ الغرباوي حول مصالحة الإخوان والعسكر طوال الوقت! عندما سأل شاب: "وهل ستتركك الأطراف الدولية لتتم عملية المصالحة؟"، بدا الارتباك حينها على الزيات ولم يجب. وأجيبك أنا أيها الشاب: هذه المصالحة ربما طُرحت من أطراف دولية بالفعل، فمصر خاضت حرباً أهلية من نوع خاص وصارت تحتاج إلى مبادرات صلح كما تحتاج فلسطين وسوريا والعراق، كما احتاجت من قبلُ لمؤتمر اقتصادي تحاول أن تلملم به بعض انهياراتها الاقتصادية مثلما فعل العراق وفلسطين بمؤتمرات إعادة أعمارهم. شابه الغرباوي بين مصالحة الجماعة الإسلامية مع نظام مبارك والحالة التي تعيشها مصر اليوم، مع أن اختلافات كبيرة لا يمكن إغفالها تجعل تلك المقاربة مستحيلة، فالجماعة الإسلامية كانت تقوم بأعمال عنف حقيقية ضد نظام راسخ، تصالحت معه في النهاية، أما إسقاط هذا الشبه على جماعة الإخوان فيعد نوعاً من الخلط، فهذه الجماعة كانت جزءاً من ثورة ضد نظام؛ ثم خرج منها من انتُخب بشكل شرعي لرئاسة الجمهورية فتم الانقلاب عليه، حدث كل ذلك في ظل أجواء ثورية شعبية سلمية. مِلت كثيراً إلى رأي الأستاذ ياسر فتحي وفكرة أن أي مفاوضات لا بد أن يكون لدى الطرف الأضعف فيها ورقة ضغط، ودون ذلك ما هو إلا استسلام، واختلفت معه في فكرة أن القائمين على العمل الثوري إما أن يعلنوا الهزيمة وإما أن يدفعوا للضغط على النظام، فالعمل السياسي لا يتم تحت الأضواء إن كان استسلاماً أو تفاوضاً أو حتى دفعاً. تحدث مؤيدو فكرة المصالحة في أثناء الحلقة عن حقوق المعتقلين بالسجون وكأن الرافضين لها لا يشعرون بمعاناتهم! وغفلوا عن أن د.أحمد عبد العزيز الذي يجلس بينهم فقد ابنته واعتُقل ابنه وأن رأيه يمثل شريحة من هؤلاء الذين نكِّل بهم. لم يكن رأي الجمهور على صغر سِنّه بتلك الخفة التي أُريد أن يوصم بها، فهم شباب نابهون، لديهم وجهة نظر، في رأيي قد يكونون أحرص على المعتقلين ممن طرحوا المبادرة، هم لا يرفضون الحوار ولا فكرة المصالحة نفسها، ولكن أصحاب المبادرة لم يفندوا حلولاً مقنعة. شباب اليوم -يا سادة- ذوو عقول مفتوحة على العالم، إقناعهم يحتاج إلى الوضوح، فلا تدرأوا ضعف حجتكم وغموض أفكاركم بالهجوم عليهم والتقليل من شأنهم، فهؤلاء هم الذين مجَّدتموهم يوماً وقلتم عنهم إنهم الأمل، هؤلاء من كنتم تدفعونهم دفعاً في برامجكم لينزلوا الشارع ويتصدوا بصدورهم العارية، هؤلاء من صنعوا الثورة والوقفات والاحتجاجات والمليونيات، فأظهروا لهم بعض الاحترام. نعلم جميعاً أن الأمر لا بد أن ينتهي إلى طاولة مفاوضات ونعلم أنّا قد نضطر إلى قبول الجلوس مع من تلوثت أيديهم بالدماء، ولكن إثارة أمر كهذا بتلك الطريقة ما هي إلا كسر لما تبقى لدى الشباب من عزة ورغبة في الحياة. لو أن هذا النظام يريد خيراً لأخرج كل من تبرأ من الإخوان والثورة في مقابل حريته، ولكن هذا النظام البغيض يستخدم الأبرياء كرهائن لينتزع من الإخوان اعترافاً بالهزيمة وليركِّعهم هم وكل من يفكر في أن يرفع رأسه من هذا الشعب، ويبدو أن هذا النظام قد يئس من محاولاته مع من في السجون فتحول لمن خارجه ليقنع من بقي من المهتمين بالثورة بالإجهاز على فتاتها، وليطفئ ما بقي من بصيص ضوء في نفوس الشباب، فيرمي الكرة في ملعب الإخوان الأشرار الأنانيين الذين يقفون حجر عثرة في طريق خروج المعتقلين من السجون. كنت أتمنى لو أن البرنامج تناول حواراً حول مصالحات ما بين الثوار من داخل التيار الإسلامي نفسه قبل أن يطرح مصالحة مع نظامٍ، جل أمانيه أن يعقد اتفاقاً مع فصيل ثوري مشرذم؛ ليسجل على أعضائه مواقف لا يعبِّرون بها عن العقل الجمعي للتيار. للتوضيح، أنا مع كل ما من شأنه أن يُخرج كل معتقل وأن يُعيد كل مطارد وأن يُنهي آلام كل معذَّب، وربما يكون هذا مما يبقيني على قيد هذه الثورة حتى الآن، فعلى كل من يفكر في طرح مبادرة أن يكون أكثر حرصاً في المرة المقبلة على تقديم شروط أفضل للتفاوض يمكن بحثها، فمشاعر أهالي المعتقلين والقتلى ليست لعبة، هؤلاء تتعلق أبصارهم بكل أمل حتى ولو كان وهماً، فرجاء كونوا على قدر المسؤولية، وابتعدوا عن فكرة وصم الثورة بالهزيمة؛ فالثورة لم تلفظ أنفاسها بعد، والدليل هو أن النظام ما زال يبحث عن مصالحة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.