المتابع للإحصائيات اليومية المرعبة عن ضحايا الحوادث المرورية يجد نفسه في حيرة وألم نتيجة تكرار المأساة واستمرارها لعقود طويلة، حتى أضحت همًّا تتوارثه الأجيال. وما زلنا نتذكر الحادث الأليم الذي وقع على طريق الملك عبدالعزيز، تقاطع طريق أنس بن مالك - حي الياسمين، بتاريخ 28/ 12/ 1434هـ، الذي تعرضت له أسرة الدحيم، وذهب ضحيته ست أنفس من أسرة الدحيم، شاب وأخواته الأربع، وابنة شقيقه، نتيجة اصطدام بين السيارة التي يقودها الشاب الدحيم وسيارة فورد يقودها شاب في حالة غير طبيعية. ولم تمضِ أشهر على هذا الحادث حتى فُجعنا بالأمس بحادث وفاة خمس أنفس من أسرة الدكتور إسماعيل البشري، مدير جامعة الجوف، وهم بناته الثلاث وشقيقان، بعد تجاوزهم جمرك البطحاء الحدودي، ويشاء الله أن يصلَّى على المتوفين في الحادثين في جامع الملك خالد بأم الحمام، ويواروا الثرى في مقبرة أم الحمام. تُرى، هل علينا أن نستقبل في كل إجازة حادثاً مأساوياً وإزهاقاً للأرواح بهذه الشكل الشنيع، دون أن تتحرك الإدارة العامة للمرور، وهي الجهاز المعني في المقام الأول بتطبيق الأنظمة كافة، التي من شأنها حماية أرواح الناس وإجبارهم (وأقولها ألف مرة وإجبارهم) على الالتزام بالأنظمة؟ لسبب بسيط، هو أن ترك الالتزام بالأنظمة للناس خيار غير مُجْدٍ، بل إنه يحمل رسالة مفادها أن هذا النظام لا يستحق الاحترام. فالأنظمة تُسنّ لكي تطبَّق عملياً، وتقيَّم من حين لآخر؛ لتطوَّر أو تُلغى، ويحل محلها شيء جديد. وقد سبق أن كانت المسؤولية المرورية مشتركة بين المرور والشرطة، ولا أجد سبباً لفك هذا الارتباط الذي أصبح حالياً يفرض نفسه، إضافة إلى ضرورة تعاون المواطن. مما يحز في النفس ويؤلمها أن تعدادنا السكاني لا يشكل معضلة أمام جهاز المرور لكي يتذرع به؛ فهناك دول تفوقنا في تعدادها السكاني مرات، ومسيطرة بالكامل على الشارع، وقدشاهدنا من يفحطون في شوارعنا ومياديننا بدون رخص، أو برخص الواسطة، ويعلنون توبتهم بمجرد وصولهم للدول الأوروبية أو الأمريكية وكثير من الدول الآسيوية، امتثالاً للأنظمة الصارمة المطبقة حرفياً! والسبب الأهم هو نزول رجل الأمن أولاً ومن ثم المرور إلى الشارع؛ لأن حفظ النظام وأرواح الناس هو هدف العملية الأمنية. لقد ابتُلينا بفئات من البشر، تعتبر السيارة دمية تلهو بها كيفما تشاء، وكل ما يُقترف من مخالفات مرورية وقطع للإشارة وتجاوز للسرعة هو نتيجة جهل السائق السعودي بنسبة تتجاوز 60 % بأنظمة السير وقراءة الإشارات اللوحية. وهذه حقيقة لا جدال فيها. فمدارس تعليم القيادة للسيارات في السعودية لم تطبِّق حتى الآن النظم المعمول بها عالمياً، فاختبار اجتياز التدريب والحصول على رخصة القيادة ما زال مرتبطاً بركن السيارة في الموقف بشكل صحيح، وجاء ذلك على حساب القيادة الميدانية بصحبة المدرب، والتأكد من تطبيق شروط السلامة في التجاوز، والانتقال من مسار إلى مسار، وقراءة اللوحات الإرشادية والتحذيرية والتنبيهات بشكل دقيق.. كل ذلك لا يُعمل به، ولا يلتفت إليه أحد، فهؤلاء مدَّعو قيادة، وليسوا قائدي مركبات، وشتان بين الأمرين. ومقولة حريف هي تهذيب لكلمة متهور وغبي؛ فمن يلقي بيده للتهلكة هو سفيه وبحاجة إلى من يوقفه عند حده. فما نشاهده من حركات بهلوانية يقوم بها البعض لاستعراض مهاراته، وهي غالباً ما تنتهي بصاحبها إلى ثلاجة الموتى أو مستشفيات النقاهة نتيجة الشلل الرباعي أو الدماغي، هو نتيجة للجهل المطبق على فكر شريحة كبيرة من المجتمع، اتخذت من السيارة أداة للتهور والاستعراض. وما إحصاءات الحوادث المرورية وأعداد المتوفين يومياً إلا دليل دامغ على المأساة التي تعيشها طرقنا. فالمهارة هي في تفادي الحوادث، والالتزام شرعاً وقانوناً باحترام وتطبيق أنظمة المرور، وإلا فالجزاء من جنس العمل.