هيأته الأرض.. وملامحه الصدى.. سراج عمر.. ذلك المقيم بين صوتين منذ اندغام الكلام بالوتر.. والوتر بالسلام! يلقي بمكتبته الفنيّة في "نفايات المدينة".. فتحفظها له في قلبها، ثم حينما يعتزل الغناء والألحان يصحبه التاريخ خلودًا والأيام تذكّرًا..! تمرّ على سيرة الأغنية السعودية فتجده شجرة الورد فيها.. ثم حين تلتفت إلى الوطن تصدح بذاكرتك (بلادي بلادي.. منار الهدى) بكل ذلك الشجن الذي يتخللك رعشة وطن وسيرة وجود. سراج عمر.. لا يمكن أن نستحضر ملامحه إلا (سراجًا) لأغنيتنا و(عُمْرا) لها.. فهو المتفرّد بذاته والمتفوّق دائما على تقلّبات الزمن عليه. اليوم.. حينا يتوارى زاهدًا حتى بالتاريخ.. تسأله الأرض من خلال صوتها "طلال مدّاح: ما تقول لنا صاحب؟" وحين يصمت حتى عن سؤالها تحيل كل صمته إلى "مقادير" ثم تؤكّد له أننا جميعا "أغراب" بعد موت الصوت وغياب الصدى. أمّا فنان العرب "محمد عبده" فلا يزال بين حين وآخر يستعيد التاريخ بذلك السراج شجنا وولها حينما يشيع علينا حكايته مع الدنيا و"مرّتني الدنيا بتسأل عن خبر.. مابه جديد" تماما تماما مابه جديد لكن القديم يكفي للوقوف طويلا على حدود الاستشراف والسباق مع الآتي برؤيا سراج عمر وقدراته الفائقة على أن يستأثر بالبقاء حينما تفنى الهوامش. عن سيرته في كتب القرناء ليس إلا موسيقي سعودي بدأ مشواره في الستينات، لكن انطلاقته الحقيقية بدأت عندما غنى له محمد عبده "ياحبيبي آنستنا" وذلك قبل أن يشكل مع طلال مداح ثنائي استعمر الأسماع وخلق تاريخًا مضيئا لكليهما عبر عدد من الأغنيات الخالدة هو عضو مؤسس في اتحاد الفنانين العرب وأول عضو سعودي سجلته جمعية المؤلفين والملحنين.. يعتبر سراج عمر صاحب أول أوبريت وطني من ألحانه يدخل دار الثقافات العام في فرنسا، وهو أوبريت التوحيد للمهرجان الوطني للجنادرية عام 1994م من كلمات خالد الفيصل ومن غناء أشهر الفنانيين المحليين يومها. كذلك لا ينسى التاريخ لسراج عمر إعادة توزيع النشيد الوطني السعودي بالآلات النحاسية العسكرية.. سراج عمر الذي يتوارى عن المشهد اليوم بسبب مشاكل صحية.. لا يغيّبه التاريخ.. ولا تتجاوزه الذاكرة حتى في أقصى حالات غيابه عنها..! «إبراهيم الوافي»