خرج الصراع التركي- الكردي عن حدود الدولة التركية مجدداً، إذ دعا تقرير أعدّته الأمم المتحدة أنقرة إلى التحقيق في «انتهاكات خطرة» اتُّهمت قوات الأمن التركية بارتكابها خلال عمليات نفّذتها ضد «حزب العمال الكردستاني» طيلة 18 شهراً، أوقعت حوالى ألفَي قتيل وأدت إلى تدمير أحياء كاملة في جنوب شرقي البلاد. وكانت أنقرة نجحت حتى الآن في إبعاد الإعلام الدولي والمحلي عن مسرح تلك العمليات التي شملت أحياء وقرى، منذ انتهاء العمل بوقف للنار صيف العام 2015، وكانت الأعنف منذ اندلاع القتال بين تركيا و «الكردستاني» عام 1984، وفق سكان في تلك المناطق التي تقطنها غالبية كردية. وأفاد التقرير الذي اعتمد على شهادات سرية وصور التقطتها أقمار اصطناعية ومصادر أخرى، بتدمير نحو 1800 مبنى «بواسطة أسلحة ثقيلة»، في أكثر من 30 بلدة رُدِمت في بعضها أحياء كاملة، وتشريد بين 355 و500 ألف شخص خلال العمليات العسكرية. وأوردت صحيفة «يني شاغ» المؤيّدة للمعارضة، أن الحكومة تشترط على النازحين الأكراد التصويت لمصلحة تحويل النظام في تركيا رئاسياً، في استفتاء يُنظم الشهر المقبل، من أجل إعادة إعمار أحيائهم. وأشار التقرير إلى مقتل حوالى 2000 شخص، بينهم 1200 من السكان و800 من قوات الأمن، خلال العمليات التي نُفذت بين تموز (يوليو) 2015 وكانون الأول (ديسمبر) 2016. وأضاف أن بين القتلى المدنيين «عدداً غير محدد يمكن أن يكون شارك في أعمال سلمية ضد الحكومة»، لافتاً إلى مقتل 189 شخصاً نتيجة قصف، بعدما حوصروا لأسابيع في أقبية في بلدة جزرة مطلع العام 2016، من دون مياه ولا طعام ولا رعاية صحية ولا كهرباء. وذكر أن عائلة تسلّمت «ثلاث قطع صغيرة من لحم متفحم» أشار تحليل الحمض النووي إلى أنها كل ما تبقى من جثة ابنتها، علماً أن شقيقتها التي طالبت باتخاذ إجراء قانوني، اتُهِمت بارتكاب جرائم مرتبطة بالإرهاب. ووَرَدَ في التقرير الذي أعدّته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، تفاصيل عن «أدلة على دمار شامل وجرائم قتل وانتهاكات أخرى خطرة لحقوق الإنسان»، مشيراً إلى «استخدام مفرط للقوة، وعمليات اغتيال واختفاء قسري وتعذيب». وقال المفوّض السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين: «لم تسمح لنا الحكومة التركية بالوصول (إلى المنطقة المنكوبة)، لكنها تشكّك في صحة مزاعم في غاية الخطورة تضمّنها التقرير. يبدو أن مشبوهاً واحداً لم يُعتقَل، كما لم يُحاكَم فرد واحد». وشدد على وجوب «إجراء تحقيق مستقل». وقال روبرت كولفيل، الناطق باسم المفوض السامي، إن التحقيق يمكن أن يكون دولياً أو تركياً، مستدركاً بوجوب أن يكون مستقلاً ومحايداً. وأضاف أن الأمم المتحدة ستواصل التحقيق وقد تنشر تقارير عن تركيا كل ثلاثة أشهر، مشيراً إلى أن العمليات الأمنية مستمرة على فترات متقطعة. وأقرّ بـ «ارتكاب الكردستاني جرائم وانتهاكات يجب تحليلها وكشفها»، واستدرك: «المشكلة هي أن أحداً لا يعلم نطاق مَن فعل ماذا بمَن والتفاصيل الدقيقة، نتيجة الفراغ الملموس في التحقيق». ولفت إلى توجيه تركيا دعوة إلى الأمير زيد لزيارتها، مستدركاً بوجوب أن تسبقها زيارة فريق تحقيق تابع للأمم المتحدة. ولاحظ التقرير أن تركيا واجهت «تحديات معقدة» منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز الماضي، مستدركاً أن التدابير التي تلتها، وسط حالة طوارئ في البلاد، «تستهدف كما يبدو المنشقين والأحزاب السياسية المعارضة»، لا سيّما «المواطنين من أصل كردي». على صعيد آخر، ألغت الشرطة السويسرية خطاباً كان سيلقيه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أمس في كانتون أرغاو، خلال تجمّع لمؤيّدي النظام الرئاسي في تركيا. وبرّرت الشرطة قرارها بـ «أخطار أمنية ضخمة»، علماً أنه تلا قرارات مشابهة في ألمانيا والنمسا. وكانت السلطات الفيديرالية السويسرية رفضت طلباً قدّمه كانتون زيوريخ لمنع زيارة جاويش أوغلو إلى المدينة، معتبرة أن «لا تهديد أمنياً يمكن أن يبرّر فرض قيود على حرية التعبير». وأعلن الوزير التركي أنه مصمّم على زيارة مدينة روتردام اليوم، لإلقاء كلمة أمام تجمّع تركي، على رغم أن السلطات الهولندية حضّته على إلغاء زيارته. تزامن ذلك مع إعلان المحكمة الدستورية الألمانية أن مسؤولي الحكومة التركية لا يستطيعون التذرّع بالحقوق الدستورية الألمانية لدخول البلاد أو لتبرير خطاباتهم. وأعلن ناطق باسم الخارجية الألمانية أن الحكومة تعتقد بأن أنقرة سمعت مناشدتها بالامتناع عن الحديث عن «ممارسات نازية».