مشكلة الإسكان ليست قضية محلية فقط، بل هي معضلة تعاني منها المجتمعات والحكومات في العالم كله، وهي ناجمة عن أسباب عديدة تتشابه في كثير من البلدان، وإذا كان الحديث عنها عندنا لا يكاد ينتهي حتى يبدأ من جديد.. فإنه لا بد قبل الخوض فيه حاليا من التأكيد أن الدولة- أيدها الله- قد عملت وما زالت تعمل بكل اهتمام على وضع الحلول لهذه المشكلة منذ مدة طويلة حيث قامت بداية في محاولة لمواجهة هذه المشكلة بإنشاء صندوق التنمية العقاري، وذلك قبل أكثر من أربعة عقود وانتهاء بإعلان الوزارة هذه الأيام عن منتجها الجديد الذي أطلقت عليه اسم «الدعم الذكي»، ويأتي هذا البرنامج متممًا لما سبقه من جهود بدأت بمنح الأراضي للمواطنين في التسعينيات من القرن الهجري الماضي (السبعينيات الميلادية) وكذلك القروض، وليس انتهاء بما أعلن عنه عن بناء عشرات الآلاف من الشقق السكنية مرورًا بمشاريع الإسكان العاجل الذي توجد منه نماذج قائمة في المنطقة الشرقية، أهمها إسكان الدمام والخبر والقطيف وسواها في مدن المملكة. ولأن القضية متجددة ولأنها تتعلق كذلك بشكل رئيس بالزيادة في عدد السكان وهي زيادة لم تتوقف ولن تتوقف مستقبلًا، ولذلك ستظل الحاجة في ازدياد إلى مزيد من الحلول الإبداعية والذكية التي نأمل أن يكون (الدعم الذكي) واحدًا منها وأن يتبعه غيره من الحلول وذلك على ضوء الأرقام التي تبينت من خلال آخر تعداد عام للسكان والمساكن الذي أجري سنة 2015م، حيث بلغ عدد المواطنين السعوديين عشرين مليون نسمة، فيما بلغ عدد المقيمين في المملكة من غير السعوديين أحد عشر مليونًا وقد اتضح من خلال نتائج التعداد أيضا أن نسبة نمو السكان السعوديين في نفس العام الذي أجري فيه الإحصاء 2015 حوالي 16% وهي نسبة عالية قياسًا بها في الكثير من بلدان العالم؛ فإذا أضفنا إلى ذلك طبيعة التغيرات الاجتماعية في حياة المواطنين ومعدلات الزواج وبناء الأسر الجديدة التي تحتاج إلى مساكن مستقلة يتضح لنا أن التقديرات التي تؤكد أن المملكة ستكون بحاجة إلى حوالي مليونين وثلاثمائة ألف وحدة سكنية خلال الأربعة عشر عامًا القادمة هي تقديرات واقعية، وأن علينا العمل على تلبيتها؛ وإلا فسوف تتسع الهوة بين ما هو موجود من هذه الوحدات وما هو مطلوب. ولا بد من الاعتراف أن كافة مؤسسات الدولة تسعى بكل جهد للوصول إليها، عملًا بتوجيهات قيادة البلاد الحكيمة التي تدرك برؤية ثاقبة أهمية هذه القضية وتحرص على تسخير الجهود والإمكانيات لإيجاد الحلول المناسبة لها. ولو حاولنا أن نحسب من خلال هذه الإحصائيات التي أوردناها آنفا الحاجة السنوية من الوحدات السكنية لبلغت حوالي مائتي ألف وحدة سكنية أي حوالي سبعة عشر ألف وحدة شهريًا، وهو عمل لا يمكن إنجازه إلا بتضافر جهود القطاعين العام والخاص وتشجيع التحول بالنشاط العقاري إلى الاستثمار في مجال الوحدات السكنية التي تستحوذ في الوقت الحالي (كما تشير الإحصائيات على 75% ) من النشاط العقاري في المملكة، وإلا فإن العجز في الوحدات السكنية الجديدة سيتفاقم، لا سيما أن دراسة حديثة قدرت أن هذا العجز سيبلغ في عام 2022 حوالي نصف مليون وحدة. إن أي منصف متابع ومطلع لا بد أن يعترف بالجهود التي تبذلها وزارة الإسكان والشؤون البلدية والقروية وأمانات المناطق على وجه الخصوص وكافة الجهات ذات العلاقة بهذه المشكلة، ومن ذلك فرض الرسوم على الأراضي البيضاء لمنع الاحتكار، وكذلك مشاريع التطوير العقاري باعتباره أحد الحلول، وما زال بعض المتخصصين والخبراء في مجالات الإسكان والعقار يعرضون أفكارًا عديدة قد تحد من المشكلة وتساهم في إيجاد الحلول الناجعة، ومن ذلك مراقبة عمليات التطوير من خلال مرجعية موحدة تحد من المشاكل التي تحصل حاليًا، ومنها كذلك قيام بعض المطورين بأخذ حقوق المواطنين دون الوفاء بما يتم الاتفاق عليه وانتقال القضايا إلى المحاكم مما يؤخر مصالح الناس ويعطلها. كما أن من هذه الحلول أيضًا التوسع في عمليات الإقراض وهو ما تتوجه إليه الدولة حاليًا حيث أعلن أنه سيتم خلال المرحلة القادمة زيادة أعداد المستفيدين من برامج القروض السكانية، وكذلك لا بد من العودة إلى آلية إعطاء أرض وقرض لمتوسطي الدخل من المواطنين، وكذلك فإن قيام الوزارة بدور الضامن يعتبر من التسهيلات المطلوبة التي ستؤدي إلى رفع سقف القرض العقاري قياسًا بالقرض الشخصي وضمان الدولة لهذه القروض عن طريق إيداعات تضعها في البنوك سيجعل دور البنوك دورًا تمويليًا فقط، كما أنه لا بد أن يكون هناك دعم للشرائح الفقيرة في سداد القروض لأن مركز المشكلة وثقلها هو عند المواطنين ذوي الدخول المتدنية، إضافة إلى تشجيع مشاريع الإسكان الميسر ودعمها بقروض حسنة بدون فوائد، أما عند إعطاء القروض فلا بد أن تكون هناك قاعدة بيانات يصنف فيها المواطنون ممن يحتاجون إلى قروض سكنية بحيث يطلع عليها الممول ويعطي كل حالة ما يناسب حالتها ومتطلباتها ودخلها، وقد تساهم أيضًا إعادة النظر في عدد الأدوار التي تسمح البلديات ببنائها جزئيًا في حل هذه المشكلة. إن كل الاقتراحات والآراء التي سقناها في هذا المقال ما هي في المحصلة إلا عصف ذهني يحاول تحليل المشكلة القائمة وإيجاد الحلول المناسبة لها، لكن الأمر في الواقع يحتاج إلى دراسة أعمق تأخذ بالحسبان كل هذه الأفكار، كما تأخذ بالاعتبار الجهود المخلصة التي تبذل والاهتمام الأكيد الذي تلقاه احتياجات المواطن في مجال الإسكان من ولاة الأمر - أيدهم الله-.