للمرة الأولى في تاريخه الممتد من 60 عاماً، اتفقت دول الاتحاد الأوروبي الـ28، الإثنين الماضي، على إنشاء مركز مشترك للقيادة وإدارة مهام التدريب العسكري لقوات الاتحاد غير القتالية في الخارج، فيما يرى مسؤولون ضرورة أن يتحول المركز إلى جيش أوروبي. ومن المقرر أن يبدأ عمل المركز خلال أسابيع قليلة؛ بهدف إيجاد مزيد من التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي، وهو اتحاد "اقتصادي وسياسي"، في مجالات الأمن والدفاع، بعدما تخلت بريطانيا عن رفضها خطط التكامل الدفاعي بين دول الاتحاد، بينما تستعد لندن لمغادرة هذا الكيان الأوروبي، الذي تأسس عام 1957. ولطالما عارضت الحليفتان بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، تأسيس مركز قيادة مشترك للاتحاد الأوروبي؛ خشية أن يؤثر سلباً على حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهو "تحالف سياسي وعسكري" يضم 28 دولة بينها 22 دولة أوروبية، وأن يتحول هذا التنسيق إلى أساس لجيش أوروبي، وهو المفهوم الذي يرفضه قادة الاتحاد، وفق موقع "إي يو بولتان"، الثلاثاء الماضي. ومقابل تلك المخاوف، قالت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إن الاتفاق الأوروبي "يعد بالفعل خطوة إلى الأمام بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لكنه في المقابل لن يقوض عمل الناتو (تأسس في 4 أبريل/نيسان 1949 ويتخذ من بروكسل مقراً له)، الذي يمثل القوة الدفاعية الرئيسية لأوروبا". موغيريني، مضت قائلة، وفق موقع "بريت بارت" الثلاثاء الماضي، إن "استخدام مصطلح القيادة المشتركة لا يعني أن هناك جيشاً مشتركاً؛ بل هو فقط المصطلح الأنسب لوصف طبيعة العمل العسكري الذي ستنفذه هذه القيادة، المتمركزة في بروكسل (عاصمة الاتحاد الأوروبي)، والتي سيشرف عليها 30 شخصاً". وإضافة إلى موقف لندن وواشنطن، فإن مجرد الحديث عن جيش أوروبي مشترك يواجه رفضاً من الأحزاب الشعبوية الأوروبية المناهضة للاتحاد الأوروبي. تولي مسؤولية العالم تصريحات موغيريني ليس مستبعداً أن تكون مجرد مناورة في ظل تطلعات بروكسل، التي يتعارض بعضها مع نفوذ حليفتها واشنطن، لا سيما أن مسؤولين أوروبيين آخرين تحدثوا عن إمكانية؛ بل وضرورة تشكيل جيش أوروبي، ولعل أبرزهم رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر. ففي مايو/أيار 2015، أعلن يونكر صراحةً ضرورة تأسيس جيش أوروبي، معتبراً، وفق تقرير لصحيفة "فيلت إم سونتاج" الألمانية، "وجود جيش مشترك للاتحاد الأوروبي يؤكد للعالم أنه لن يكون هناك أي حرب أخرى بين دول الاتحاد". يونكر، تابع بقوله آنذاك إن "هذا الجيش الأوروبي المشترك سيساعدنا على تشكيل السياسات الخارجية والأمنية المشتركة، والسماح لأوروبا بتولي المسؤولية في العالم". وبعد إعلان تأسيس مركز القيادة الأوروبية المشتركة، قال وزير الخارجية البلجيكي، ديدييه ريندرز، خلال مؤتمر صحفي، إن تلك القيادة ما هي إلا "خطوة أولى.. وربما يأتي الجيش الأوروبي لاحقاً"، بحسب موقع "إي يو آر أكتيف". ووفق المفوض الأوروبي لشؤون الطاقة غونتر أوتينغر، فإن الاتفاق الأوروبي الجديد سيشرع بالفعل لاستراتيجية دفاعية مركزية لدول الاتحاد الأوروبي، لكنه شدد في المقابل على أنه "لا أساس لفكرة تأسيس جيش أوروبي في الوقت القريب". بدوره، علق وزير الدفاع الألماني، أورسولا فون دير ليان، على اتفاق تأسيس مركز القيادة المشتركة، بقوله: "اليوم اتخذنا خطوة مهمة جداً في اتجاه الأمن والدفاع الأوروبي"، وفق الموقع الإلكتروني لقناة "دويتشه فيله" الألمانية. وسبق للوزير الألماني أن أشاد باقتراح يونكر بشأن تشكيل جيش أوروبي قائلا،ً في حديث للإذاعة الألمانية، إنه "في مرحلة ما من مستقبلنا كأوروبيين، سيكون لدينا جيشنا الخاص". نواة للجيش المشترك بعيداً عن تصريحات المسؤولين الأوروبيين، قالت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، الثلاثاء الماضي، إن القيادة الأوروبية المشتركة هي بالفعل نواة تأسيس جيش خاص بالاتحاد الأوروبي لمواجهة تهديدات من روسيا ودول أخرى. وفي إشارة ضمنية إلى أن هذه الخطوة جاءت بعد تخلي لندن عن رفضها خطط التكامل الدفاعي الأوروبية، لفتت الصحيفة إلى أن "الاتفاق (الأوروبي) جاء بعد شهور من إعادة رئيس المفوضية الأوروبية، في سبتمبر/أيلول الماضي، الكشف عن رغبته في تأسيس اتحاد عسكري أوروبي، أي بعد شهور من تصويت البريطانيين (في الاستفتاء الشعبي) لمصلحة الخروج من الاتحاد". وتابعت أن "يونكر قدم، الأسبوع الماضي، وثيقة يطلب فيها تخصيص أموال لتمويل عمليات عسكرية مشتركة للاتحاد الأوروبي مستقبلاً، وكذلك لعمليات شرائية مشتركة". حماية مواطني أوروبا الهدف من تأسيس مركز القيادة العسكرية المشتركة، وفق موغريني، هو توفير مزيد من الحماية لمواطني الاتحاد (نحو 508 ملايين نسمة)، باستخدام أدوات الاتحاد الفريدة الأوروبي، والتي تساعد في جعل العمل الأمني والدفاعي أكثر فاعلية. فيما ذهب عضو البرلمان الأوروبي عن دولة إستونيا، أورماس باييت، إلى أن أهمية هذا المركز تكمن في الدور الذي سيلعبه في تسهيل التعاون مع حلف شمال الأطلسي، فضلاً عن تخطيط وتنفيذ عمليات الاتحاد الخاصة في ظل الاضطرابات الدولية القائمة. "باييت"، وفي تصريح لموقع "إي يو آر أكتيف"، مضى قائلاً إن "البيئة الدولية الحالية جعلت أوروبا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد الدفاعي للحفاظ على أمنها". وعامة، يسعى الاتحاد الأوروبي، الذي يتمتع بقوة اقتصادية كبيرة، إلى امتلاك القدرة على مجابهة تهديدات الجارة روسيا وجماعات متشددة، فضلاً عن حماية دوله من تداعيات الاضطرابات الأمنية في دول على حدوده. قلق بريطاني ووفق تقارير صحفية، فإن تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي كان بمثابة فرصة لدفع ألمانيا وفرنسا، أكبر قوتين في الاتحاد، إلى إحياء فكرة القيادة العسكرية المشتركة، التي ستقتصر مهمتها على تدريب القوات المحلية في مالي، والصومال، وإفريقيا الوسطى. ويطمح الاتحاد الأوروبي، عبر هذه القيادة، إلى تشكيل وحدات عمل عسكرية مشتركة تلعب دوراً في الاستجابة للأزمات، وتحقيق المزيد من الاستقرار للعمليات العسكرية الأوروبية خارج حدود الاتحاد. ورغم تصريح وزير الدفاع البريطاني، مايكل فالون، في السابق بأن المجتمع الدولي ليس بحاجة إلى كيانات عسكرية جديدة، فإنه بات يرى أن تأسيس مركز القيادة المشتركة الأوروبي لن يؤثر على العلاقات الدفاعية والعسكرية بين بريطانيا و"الناتو" من جهة، ودول الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. وبعد سنوات من الرفض البريطاني، اعتبر فالون، بحسب ما نقلته صحيفة "ديلي ميل"، أن اتفاق تأسيس تلك القيادة الأوروبية "يمثل انتصاراً لدول الاتحاد الأوروبي". وشدد على أن كل ما يهم لندن هو عدم حدوث "ازدواجية بين عمل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، واستمرار وفاء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالتزاماتها تجاه الحلف". فالون، ووفق الموقع الرسمي لوزارة الدفاع البريطانية، قال إنه طلب من الاتحاد الأوروبي "التعاون بشكل وثيق مع حلف شمال الأطلسي، لتجنب الازدواجية غير الضرورية، والعمل معاً على (مواجهة) التهديدات الجديدة". وبجانب بريطانيا، فإن المجر وبولندا، اللتين تعتمدان في تعزيز أمنهما في مواجهة روسيا على ضمانات من الولايات المتحدة الأميركية وحلف الأطلسي، تشعران بالقلق من أن يؤثر تعزيز القدرات العسكرية للكتلة الأوروبية سلباً على عمل الحلف في أوروبا.