كان يجب أن تعتذر بريطانيا إلى الشعب الفلسطيني عن إعطاء وزير خارجيتها الأسبق، آرثر جيمي بلفور، وعداً لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وكان هذا في عام 1917 عندما لم تكن الدولة البريطانية قد انتُدبت بعدُ للسيطرة على هذا الجزء من الوطن العربي الذي حولته اتفاقيات سايكس – بيكو، عام 1916، إلى أجزاء متناثرة جرى توزيعها بين البريطانيين والفرنسيين، مما أوجد في النهاية كل هذه الجروح الملتهبة الآن، إنْ في سورية وإن في العراق وإن في لبنان، وبالطبع هذه التمزقات الفلسطينية. قال بلفور في تصريحه الشائن هذا، الذي يجب أن تعتذر بريطانيا للشعب الفلسطيني عمّا سببته له من ويلات، استناداً إلى هذا التصريح الذي صدر نيابة عن الملك البريطاني في ذلك الحين: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة (مقام) قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر... وسأكون ممتناً إذا أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح". وهكذا، واستناداً إلى هذا الوعد المشؤوم، جاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وقامت الدولة الإسرائيلية، ولذلك فإن مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) الحق كله أن يطالب البريطانيين، حتى بعد قرن كامل، بالاعتذار عن وعدهم الذي لم يكن لهم أي حق بإعطائه، إذ "أعطى من لا يملك لمن لا يستحق"... ثم، وفوق هذا عليهم أن يعترفوا بالدولة الفلسطينية التي اعترفت بها الأمم المتحدة "دولة تحت الاحتلال"، وبالأراضي كلها التي احتلت عام 1967 ومن ضمنها القدس الشرقية. إنّ المفترض ألاّ يبقى هذا الطلب المشروع طلباً فلسطينياً فقط، فالقضية الفلسطينية قضية عربية أولاً وأخيراً، ولذلك فإنه على العرب أن يلعبوا دوراً رئيسياً في هذا المجال، وبخاصة أن التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، خلال وجوده أمس الأول في رام الله، فيها الكثير من الإيجابية، إذ أعلن أن بريطانيا تؤكد التزامها بحل الدولتين. ثم إن الواضح، رغم ما ساد من انطباعات مزعجة بعد اختيار دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة وبعد إطلاقه سلسلة التصريحات التي أطلقها خلال زيارة بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن، أنّ هناك تحولات إيجابية بالنسبة لمواقف هذه الإدارة الأميركية الجديدة، بالنسبة للقضية الفلسطينية، إذْ إن آخر ما قيل في هذا المجال هو أن الناطق باسم خارجية أميركا مارك تونر قد أعلن أن "موقف واشنطن تجاه المستوطنات لم يتغير، وهو ضرورة وقف البناء الاستيطاني من أجل المضي في عملية السلام".