رفضت أوكرانيا دفع ثمن الغاز الروسي بالأسعار الجديدة التي رفعتها موسكو بشكل قياسي خلال الأيام الماضية، واعتبر أرسيني ياتسنيوك رئيس الوزراء الأوكراني خلال جلسة أمس لمجلس الوزراء أن هذا سعر "سياسي وليس اقتصاديا"، وسط مخاوف من تأجيج "حرب غاز" تطال دول أوروبا. ووفقاً لـ "الألمانية"، فقد أكد ياتسنيوك أن بلاده على استعداد لدفع سعر الغاز وفقا لما هو متبع من بداية العام أي بـ 268 دولارا لكل 1000 متر مكعب من الغاز. من جانبه أعلن يوري برودان وزير الاقتصاد الأوكراني أن بلاده ستشكو شركة غازبروم الروسية أمام محكمة تحكيم، مشيرا إلى أن الشركة المحتكرة للغاز ترفض إجراء مفاوضات لتقليل أسعار الغاز. وأضاف الوزير أن بلاده ما زالت تتفاوض مع موسكو بشأن خفض سعر واردات الغاز، مضيفا أن بلاده ستلجأ إلى التحكيم إذ فشلت المحادثات لخفض قيمة الغاز الروسي. وكانت موسكو قد رفعت أسعار بيع الغاز لكييف مرتين في الأسبوع الماضي وبلغ السعر نحو مثليه في غضون ثلاثة أيام، فيما أرجعته كييف إلى توجهات سياسية، كما أكد الوزير أن كييف لن تسحب الغاز الطبيعي من خطوط الأنابيب التي تنقله لمستهلكين في أوروبا إذا أوقفت روسيا إمدادات الغاز إليها. واتهمت روسيا أوكرانيا بسرقة الغاز من خطوط الأنابيب التي تعبر أراضيها خلال خلافات سابقة على التسعير وهو اتهام نفته كييف في حينه. كانت غازبروم قد أعلنت عن رفع سعر الغاز إلى 485.5 دولار، معزية ذلك إلى ديون بالمليارات مستحقة على حكومة كييف وإلغاء التخفيض الخاص الذي كان مقدما لأوكرانيا، ومن المعتقد أن روسيا تستخدم أسعار الغاز كوسائل ضغط سياسية على أوكرانيا. ومن جانبه، طالب إلكسي ميلر رئيس "غازبروم" الحكومية أوكرانيا بتسوية مديونياتها، مشدداً على أنه لا يمكن أن نورد الغاز بلا تكاليف، مؤكداً أن السعر الحالي يتوافق مع تعاقد تم توقيعه في عام 2009، بينما أفاد متحدث باسم "غازبروم" أن شركة نافتوجاز الأوكرانية المملوكة للدولة نفذت منذ ذلك الحين جميع الشروط، الأمر الذي يعد اعترافا منها بالتعاقد. واختتم وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أمس في أثينا اجتماعا غير رسمي خصص في جزئه الأكبر لأوكرانيا تحت ضغط الزيادة في أسعار مشترياتها من الغاز الروسي بنسبة 80 في المائة. وفي مؤشر واضح، خفضت وكالة التصنيف الائتماني موديز من جديد درجة ملاءة كييف من "سي إيه إيه 2" إلى "سي إيه إيه 3" بسبب تصاعد الأزمة السياسية في البلاد على الرغم من دعم صندوق النقد الدولي، وهذه الدرجة تجعل الدين الأوكراني في نظر المستثمرين غير آمن. ورأى البنك الدولي أن أوكرانيا ستشهد انكماشا في 2014 مع تراجع إجمالي الناتج الداخلي 3 في المائة، مقابل 0 في المائة في 2013. وقالت لاليتا مورتي المختصة الاقتصادية في البنك الدولي "إن هذا السيناريو يأخذ في الاعتبار الزيادات الكبيرة في سعر الغاز (80 في المائة) التي أعلنتها موسكو الأسبوع الماضي. وأضافت أن العجز سيرتفع إلى 4.8 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي (4.5 في المائة في 2013) والدين إلى 86.1 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي، أما التضخم فسيصل إلى 15 في المائة. وأفاد ديمتري مارونيش المختص في قطاع الطاقة أن بعض قطاعات الاقتصاد قد تتراجع إلى حد كبير، وأن الصناعات الكيميائية التي تستهلك كميات كبيرة من الغاز والصناعات المعدنية يمكن أن تزيد تكلفة إنتاجها بنسبة 15 في المائة، ما يفقدها قدرتها التنافسية. وأعلنت السلطات الأوكرانية زيادة نسبتها 50 في المائة في سعر الغاز في أيار (مايو) تليها زيادة أخرى بنسبة 40 في المائة اعتبارا من تموز (يوليو) للتدفئة في المدن التي يفترض أن تتوقف الآن مع بداية الربيع. وسيكون على كييف البحث عن وسائل، وتحدث ياتسينيوك عن إمكانية إجراء مفاوضات مع الشركاء الأوروبيين ليتخلوا لأوكرانيا عن جزء من الغاز الذي يحصلون عليه بأسعار أقل من تلك التي سيكون على كييف دفعها. لكن ترتيبا كهذا يمكن أن يثير استياء موسكو ومخاوف من "حرب غاز" على مستوى القارة، بينما ما زالت أوروبا تعتمد إلى حد كبير على الإمدادات الروسية التي يمر جزء كبير منها عبر الأراضي الأوكرانية. وقال يوري برودان وزير الطاقة الأوكراني "إن بلاده يجب أن تعتمد إلى حد كبير في 2014 على الفحم المنتج محليا بدلا من الغاز"، ويغطي الفحم حاليا 30 في المائة من احتياجات الطاقة للبلاد، مقابل 40 في المائة للغاز. وندد رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف بأن بلاده ستتخذ إجراءات حال انسحاب أوكرانيا من كومنولث الدول المستقلة الذي يضم الجمهوريات السوفياتية السابقة أو توقيعها اتفاق انتساب مع الاتحاد الأوروبي. وقال ميدفيديف "إذا انسحب شركاؤنا (الأوكرانيون) من كومنولث الدول المستقلة أو وقعوا على اتفاق بشأن الانتساب للاتحاد الأوروبي أو حتى تحدثوا عنه، وإنني أقصد الزعماء الحاليين الذين يسعون فيما يبدو إلى هذا، فإنه في هذه الحالة سنلغي بنود التعاون في قطاع التعاملات التجارية الزراعية مع رفاقنا الأوكرانيين وسنتخذ إجراءات لحماية السوق الزراعية الروسية في إطار إجراءات منظمة التجارة العالمية". وتابع رئيس الوزراء "مصالح منتجي محاصيلنا الزراعية المحليين لها أهمية قصوى بالنسبة لنا، ولكن ليس مصالح البعض الآخر الذين يقيمون في دول قريبة منا.. يجب على الجميع أن يفهموا ذلك".