×
محافظة المنطقة الشرقية

من "بوسو" إلى "بابل".. شركات تعليم اللغات تتأقلم من أجل الازدهار

صورة الخبر

حين شغفت حبا بالقراءة منذ سنوات الصبا المبكر لم أكن أعلم أن ذلك الشغف سيتحول بمرور الزمن إلى غرام مضن ومجهد ومكلف بالكتب. كانت البداية إشباع رغبة في المعرفة وبحثا عن إجابات لأسئلة حائرة واكتشافا للإنسان نفسه وللحياة وبحثا عن رؤية أو مخارج من مآزق قلق أيدلوجي أو هروبا من الملل والبلادة والسآمة والتكرار إلى عالم افتراضي آخر في الروايات والقصص؛ بحيث يتخلق عالم آخر مواز للواقع أجد فيه ذاتي من خلال ما يجمع مع البطل من صفات وما يندفع إليه من تجارب ثم ما يتيس له من أسباب الانفراج والتنوير بالحلول أو الوقوع في النهايات السوداء الكالحة، وفي كل الوقائع والنهايات السارة والضارة المبتهجة والمكتئبة المفرحة والمحزنة، وفي كل المآزق التي تصورها الروايات أجد أنني لست بعيدا عن كل ما يقع لكثير من الشخوص فأتفاعل مع بعضهم فرحا وحزنا وكأنني هم وكأنهم أنا. لقد وجدت في الكتاب منذ المراهقة وبدء التكوين حياة خيالية ثانية مختلقة عن الحياة الواقعية التي أتحرك فيها مع الناس وكأنني أشبه ما أكون بالآلة أو المسير لا المخير في كثير من الأمور، أو الذي يتحرك يمنة ويسرة ويتحدث ويبتسم أو يتجهم ويوافق أو يعترض إن سمح الحال بشيء من ذلك على استحياء وفق ما ينسجم مع الواقع لا ما يرضي الحياة الأخرى في العالم المعرفي والفكري والنفسي الذي كونته الكتب على اختلاف مشاربها وتعدد قضاياها وتباين رؤى كتابها ومؤلفيها. بدأت بشراء كتاب ثم كتابين ثم ثلاثة بما يتيسر من ريالات شحيحة لا تتيسر في كل حين؛ إما من مكافأة المعهد العلمي أو من المرتب الزهيد الذي لا يزيد عن مائة ريال الذي كنت أتقاضاه آخر الشهر بائعا في « مكتبة الثقافة « بالبلدة الصغيرة الهادئة، ولعل الرغبة في القراءة كان الدافع الأول الرئيس لقبولي ذلك العرض المغري بأن أتولى البيع والإشراف على المكتبة التجارية التي أنشأها بعض شباب التسعينات الهجرية من القرن الماضي بدوافع أيدلوجية إصلاحية صحوية منسجمة أكثر من الرغبة في التحريض على القراءة والاطلاع وحب المعرفة المتجردة من أي هوى مؤدلج. وبمرور السنوات وجدت أن عشق الكتاب تحول إلى عبء ثقيل كأي عشق أو غرام أوله لعب وآخره تعب! كانت البداية فضولا وتسلية وتطلعا إلى اكتشاف الحياة من خلال العقول والأفئدة التي والوجدانات والهموم والأفراح والأحزان التي سكبها كاتبوها في كتبهم؛ ولكن تلك العوالم الافتراضية أصبحت بمرور الوقت وطول التعود عليها والتعايش اليومي الحميم معها أصبحت وكأنها الواقع الحقيقي وابتعد الحياة الواقعية عني مسافات بعيدة فاخترت منها ما ينسجم معي ويتلاءم مع القناعات التي كونها العوالم الخيالية التي أعيش فيها بعقلي وحسي وأمنياتي وحلولي للمشكلات وآرائي التي يفرضها علي الأوصياء أصحاب هذه الكتب في حالة استلاب نفسي لا أحس بها ولا أشعر بمدى فداحتها إلا بعد أن تتصرم مني فرص كسب المغانم السانحة التي ضيعتها الأحكام المثالية والرؤى المجنحة البعيدة عن واقع الحياة. تحول العشق إلى داء لا يمكن البرء منه! وأصبح المكان ليس لي؛ بل للكتب، وبدأت تزحف تمتد من غرفة إلى غرفة وتحتل ممرات وزوايا، وتناثرت الدواليب وتراكمت الكراتين المغلقة على ما فيها من نفائس المجلات والجرائد والقصاصات، وكأنني مكلف برصد ما يحدث في العالم من تحولات سياسية واجتماعية، وما يستجد من تغيرات؛ فلا يفوتني عدد خاص متميز من المجلات أو الملاحق الصحفية أو الكتب التي تبحث وتدون وترصد قضية من القضايا أو حدثا من الأحداث أو شخصية من الشخصيات، وكأنني أنا المكلف بالرصد، أو كأن مكتبتي ستكون معينا على ذلك مع ما تعنى به المكتبات الرسمية. ووصل امتداد الدواليب والأرفف إلى غرف لا يمكن أن تفرط فيها الأسرة؛ فتم الاتفاق بعد جدل طويل على الاحتفاظ بما لا حاجة ماسة له في كراتين مغلقة وتوضع بعيدا في مستودع بعيد في سطح المنزل! يتبع...