خاضت الفرقة الرابعة لقوات النخبة في جيش النظام السوري معارك شرسة لطرد مقاتلي المعارضة من بعض ضواحي دمشق. لكن في صباح أحد الأيام مؤخراً، كان لدى هذه القوات مهمة مختلفة: مرافقة خالد، وهو طالب يبلغ من العمر 26 عاماً، لأداء امتحاناته في كلية الحقوق عبر الأراضي التي يسيطر عليها نظام الأسد، لئلا يتعرض للأسر من قبل قوات النظام الأخرى في هذه المناطق. تعتمد قوات نظام بشار الأسد على مجموعاتٍ متفرقة من قوات الأمن وعشرات الميليشيات المحلية والأجنبية، التي حولت المناطق التي يسيطر عليها النظام إلى شبكةٍ معقدة من الإقطاعيات المتنافسة على السلطة والتي تهدد الاستقرار. استسلم مقاتلو المعارضة في ضاحية المعضمية، التي ينتمي إليها الطالب، لقوات النظام أواخر عام 2016. لكنَّ سلطة الدولة في المنطقة تشظت بين الأفرع العديدة للحكومة، والأجهزة الأمنية، والميليشيات المحلية، والتي لا تعترف كلها باتفاقية الاستسلام تلك، بحسب صحيفة الأميركية ودون حماية الفرقة الرابعة، وهي قوة من قوات النخبة يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، فإنَّ السكان يخاطرون بالتعرض للاعتقال عندما يمرون من نقاط التفتيش التي تتحكم فيها أية جماعة من الفصائل الأخرى العديدة الموالية للنظام. وقال خالد: "لم يعد النظام كما كان في الماضي. كل فرع من أجهزة الدولة مستقل ويتصرف كيفما شاء. كل فرع دولة بذاته". وكانت قوات أمن النظام قد ألقت القبض الشهر الماضي على أخٍ لاثنين من كبار قادة الميليشيات في مدينة اللاذقية الساحلية، وذلك بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهي هيئة معارضة مقرها لندن. وكان الرجل قد اعتُقِلَ بعد اعتراض موكبه من قبل موكب آخر، من المرجح أنه موكب الأسد، فتعامل الرجل بعدائية بحسب المرصد. وأضاف المرصد أنَّ قوات الأمن أمرت 900 مقاتل من إحدى الميليشيات التي يقودها أحد إخوة الرجل المُعتَقَل بالانضمام إلى جيش النظام السوري. تشبه هذه الحادثة الاقتتال الداخلي بين فصائل المعارضة، والذي لطالما أثر عليها سلباً والتي فشلت مراراً وتكراراً في تكوين تحالف متماسك، ما أدى إلى إضعاف سيطرتها على مناطقها. ولم يستجب المسؤولون السوريون للطلبات المتكررة بالتعليق على الأمر. وفي لقاءاتٍ صحفية أُجريت مؤخراً، صور الأسد اتفاقيات الاستسلام الكثيرة التي وُقِّعَت مع المعارضة، مثل اتفاقية المعضمية، على أنها تعني استعادة سيطرة الحكومة عليها. هذا الصراع على النفوذ في المناطق التي تتحكم فيها حكومة الأسد يشير إلى أنَّه حتى لو تم التوصل لتسويةٍ سياسية لإنهاء الحرب مع المعارضة، فإنَّ الاستقرار سوف يظل بعيد المنال. وقال أيمن التميمي، باحث سوري بمركز أبحاث منتدى الشرق الأوسط بواشنطن: "ما زال النظام موجوداً فيما يتعلق بتوظيف الناس في العديد من القطاعات، ودفع الرواتب وتقديم الخدمات. لكن ما تفعله الميليشيات عندما تحتكر الأمن يشكل مشكلةً كبيرة". كما أدى تدهور سلطة النظام إلى نوع من غياب القانون. فالشرطة الآن أصبحت عاجزةً عن مجابهة انتشار الجريمة، بما في ذلك السرقات وحوادث الخطف، وذلك بحسب الكثير من السكان في مناطق النظام. السيطرة داخل دمشق مقسمة بين أجهزة النظام السوري الأمنية، بما في ذلك القوات الجوية، والمخابرات، والمخابرات العسكرية، وأمن الدولة. كل فرع يتحكم في أحيائه ويحرسها بالكثير من نقاط التفتيش، تاركاً الأجهزة الأخرى والشرطة بلا حولٍ ولا قوة. وعندما اختُطِفَ تاجرٌ مشهور في دمشق في أواخر عام 2015، ذهب أقرباؤه إلى الشرطة، لكنَّها أخبرتهم أنَّ قوات تنفيذ القانون لا يمكنها فعل شيء، وذلك بحسب أفراد مقربين من العائلة. وقالوا إنَّ عائلته نُصِحَت بالتواصل مع القوة الأمنية التي تتحكم في المنطقة التي اختُطِفَ فيها. ويُعتَقَد أنَّ العصابات المسلحة تعمل تحت حماية بعض الأجهزة الأمنية، أو حتى بالتعاون معها، وذلك بحسب سكانٍ أبلغوا عن سرقات أو دفعوا فديات لتحرير أقاربهم المخطوفين. وقال يزيد صايغ، وهو زميل بمركز أبحاث كارنيغي للشرق الأوسط: "فيما يتعلق بالنهب، وإيجاد مصدر للدخل، والدفاع عن المناطق، فإنَّ النظام يترك الكثر من هذه القرارات بيد هذه الميليشيات". ويحظى الحلفاء الأجانب أيضاً ببعض الاستقلال، وأحياناً بأجنداتٍ مختلفة. ذلك أنَّ الانتصارات المتزايدة للنظام ضد المعارضة ترجع بشكلٍ كبير إلى حلفائه مثل روسيا، وإيران، وميليشيا حزب الله اللبنانية. وكاد الاتفاق الذي توسطت فيه روسيا وتركيا، حليفة المعارضة، في شهر ديسمبر/كانون الأول، للسماح لمقاتلي المعارضة بمغادرة آخر قطاع يسيطرون عليه في شمال مدينة حلب أن يفشل، وذلك بسبب الميليشيات الشيعية المدعومة من قبل إيران، والتي رفضت السماح للموكب بمغادرة المدينة قبل الاستجابة لطلباتهم. وقال سكان سابقون ونشطاء معارضون للنظام إنَّ وحدةً من الشرطة الشيشانية المدعومة من قبل روسيا قد فرضت بعض النظام في المدينة منذ عودة المدينة لكامل سيطرة النظام، وذلك بسبب مراقبتهم للميليشيات الشيعية وكبح ممارساتها. هذه السيطرة الجزئية للنظام تؤدي أيضاً إلى إبطاء تسليم المساعدات الإنسانية. ففي أواخر شهر فبراير/شباط، مُنِعَت قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة من الوصول للحي المحاصر الذي تسيطر عليه المعارضة وسط مدينة حمص. وفي طريق عودة القافلة إلى دمشق، حوَّلت جماعةٌ مسلحة طريق العديد من شاحنات القافلة في اتجاه المنطقة التي يسيطر عليها النظام، وذلك بحسب ينس ليركه، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، والذي يشرف على توزيع المساعدات في أنحاء سوريا. وقال ليركه إنَّ مقاتلي هذه المجموعة المجهولة ضربوا السائقين، ثم أطلقوا سراحهم بعد عدة ساعات، لكنهم احتفظوا بالمساعدات. وقال ليركه: "هناك عددٌ كبيرٌ جداً من المجموعات المسلحة المختلفة والتي لا يتضح دائماً لمن تنتمي ومن يقودها، وولاءاتها تتغير بشكلٍ مستمر. من نخاطب إذاً لو رفض قائد إحدى هذه المجموعات عند نقطة تفتيش ما عبور الشاحنة؟ هذا عامل آخر يؤدي إلى تعقيد الأمور". - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Wall Street Journal الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط .