لاعبات كرة القدم في الجزائر أمام خيارين: اللعب أو الزواجتحاول نساء جزائريات في منطقة ريفية زعزعة عرش الرجال في مملكة طالما ظلت حكرا عليهم، بحبهن وشغفهن برياضة كرة القدم التي كانت محرمة اجتماعيا عليهن خصوصا بعد منع المسلحين المتشددين النساء من مزاولة أي رياضة خلال “العشرية السوداء” التي شهدت فيها البلاد حربا بين الإسلاميين والنظام.العرب [نُشر في 2017/03/07، العدد: 10564، ص(20)]الزواج يعني نهاية مسيرتهن الرياضية الجزائر - في السابعة من عمرها، كانت فتحية ترمي حقيبتها المدرسية وتذهب للعب كرة القدم مع أولاد الحي، وها هي بعد 20 عاما، لاعبة في المنتخب الجزائري وفريق “آفاق غليزان” للسيدات. فتحية لاعبة خط الوسط، هي واحدة من 15 شابة يتحلقن حول مدرب الفريق سيد أحمد معز، يجمعهن الشغف بكرة القدم على ملعب أخضر في البلدة الواقعة في غرب الجزائر. عام 1997، وفي خضم الحرب الأهلية التي عصفت بالجزائر، أطلق معز وعدد من الشغوفين بكرة القدم ونساء رائدات، نادي آفاق غليزان للسيدات، بما شكل تحديا لضوابط اجتماعية عدة أبرزها منع المسلحين الإسلاميين المتشددين النساء من مزاولة أي رياضة. وفي العام نفسه، سلط الضوء بشكل مكثف على غليزان بعدما قضى فيها أكثر من ألف شخص، في ما يعد أسوأ مجازر الحرب الأهلية، أو ما يعرف في وسائل الإعلام الجزائرية بـ”العشرية السوداء”.غياب التشجيع ويقول المدرب سيد أحمد معز “أرسل لي الإرهابيون رسالة يطلبون فيها وقف كرة القدم النسوية”، إلا أنه تحدى هذا الطلب وواصل القيام بعمله. ويأسف معز لأن “لاعبات كرة القدم كن يتعرضن للشتم والسباب لدى مغادرتهن الملعب (…) بالنسبة إلى بعض حاملي الأفكار الرجعية البنت التي تنتمي إلى عائلة محترمة لا تلعب كرة القدم”. وغالبا ما سمعت الشابات اللواتي يزاولن هذه الرياضة، عبارات من قبيل “عودي إلى المطبخ” أو “ابحثي عن زوج”. وتمكنت اللاعبات اللواتي يتحدر معظمهن من خلفيات اجتماعية متواضعة، من إقناع عائلاتهن بتقبل فكرة ممارسة هوايتهن التي يعشقنها، على الرغم من النظرة الاجتماعية السلبية وقلة الدخل المالي الذي قد توفره رياضة كهذه للسيدات. ويضم ملعب غليزان “جناحا” خاصا بالشابات، يشتمل على مهجع وخزائن وجهاز تلفزيون وتجهيزات صوتية. وبعد حصص التدريبات، يتيح الإنترنت اللاسلكي المتوافر في غرف تبديل الملابس، للاعبات الهروب من الواقع من خلال استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. ويقوم النادي الذي لا يدفع للاعبات رواتب شهرية، بمساعدتهن على متابعة مسيرتهن في كرة القدم، أو العثور على عمل لضمان مورد مالي. اللعبة أو الزواج في غليزان، المنطقة الريفية التي يقطنها قرابة مليون نسمة يعتاش معظمهم من الفلاحة والرعي، ترتدي غالبية النساء الحجاب. وتقول فاطمة، والدة فتحية، إنها “فخورة” بابنتها، إلا أنها “ستكون أكثر اطمئنانا لو توقفت عن ممارسة لعبة كرة القدم وتزوجت وارتدت الحجاب كغيرها من نساء المنطقة”.حرمت الضوابط الاجتماعية التي فرضها المتشددون على النساء الجزائريات لعب كرة القدم وحتى حضور المباريات على مدارج الملاعب وتضيف هذه الأرملة والأم لستة أطفال، أن كل ما تخشاه هو الوفاة قبل أن تتزوج ابنتها. وتأسف اللاعبات لكون كل رجل يتقدم لخطبتهن يضع الشرط نفسه: كرة القدم أو الزواج. وتجد الشابات أنفسهن مضطرات إلى اتخاذ خيار مر: الزواج الذي يعني نهاية مسيرتهن الرياضية، أو البقاء عازبات من أجل التمكن من مزاولة هوايتهن المفضلة. ومن أولئك منى التي ستضع في مارس حدا لمزاولتها اللعبة، بعدما اختارت درب الزواج. ويعتقد المدرب أنه “لو نالت الشابات حوافز، لكان في إمكانهن مواصلة اللعب حتى بعد الزواج”، إلا أن الفريق الذي تخلو خزائنه من المال، لا يجذب أي راع أو شركة ممولة، علما أن كرة القدم النسائية في الجزائر لا تزال رياضة تزاول على مستوى الهواية لا الاحتراف. وسيطر نادي “آفاق غليزان” على كل المنافسات النسائية خلال الأعوام الماضية، بإحرازه بطولة الجزائر سبع مرات والكأس ست مرات، إضافة إلى كأسين على مستوى المغرب الغربي. وعلى الرغم من إقرار عدد من سكان المدينة أن ما تقوم به اللاعبات يشكل مدعاة “فخر” لهم، إلا أن الفريق نادرا ما يجد مشجعين في مدرجات ملعبه عندما يخوض مباريات عليه. وتأسفت لاعبات لعدم “تمويل الفريق النسوي لكرة القدم بغليزان”، على الرغم من مستواهن الذي أتاح لست منهن المشاركة مع المنتخب الوطني. وفي موقف ملعب المدينة، يبدو التناقض صارخا بين فريقي الرجال والسيدات: لاعبو الأول تنتظرهم حافلة كبيرة تحمل ألوان الشركات الراعية وشعاراتها، واللاعبات تنتظرهن حافلة نقل صغيرة متواضعة. حتى الفوز بالمباريات لا يعود بنفع يذكر على اللاعبات. فبحسب معز، تنال كل لاعبة مبلغ 1500 دينار جزائري (12 يورو) في حال فوزهن في المباراة، ما يراه “مبلغا زهيدا جدا”. ولدى تحقيقهن فوزهن الأخير، فرحت اللاعبات باستقبال محافظ المدينة لهن، وبينما كن يتوقعن مكافأة مالية، قدمت إليهن حقيبة رياضية تتضمن ملابس رياضية. ويلخص أحد مؤسسي النادي الوضع بالقول “حب كرة القدم أقوى من كل الأفكار الرجعية، على الرغم من محاولات البعض كسر هذا الفريق”.يواجهن التحديات مدارج خاصة للنساء لم تكن ممارسة رياضة كرة القدم الحاجز الوحيد أمام النساء الجزائريات بل إن المنع والنظرة الدونية إلى تلك الرياضة في البلاد طالا حتى متابعاتها في الملاعب. لكن ظاهرة إقبال النساء الجزائريات على مشاهدة مباريات كرة القدم على مدارج الملاعب بدأت تنتشر منذ سنة 2014 حين شهد ملعب 5 جويلية بالجزائر العاصمة يوم 3 مارس حضور المئات من النساء الجزائريات مباراة ودية جمعت منتخب كرة القدم الجزائري للرجال بنظيره الصربي. وقالت وسائل إعلام جزائرية آنذاك إن مشاهدة النساء الجزائريات ومتابعتهن لمباريات كرة القدم في الملاعب ظاهرة لم يعرفها المجتمع الجزائري منذ استقلاله. ويقول الكاتب والصحافي الرياضي الجزائري مصطفى بن فضيل تعليقا على هذه الظاهرة “كنا نعتقد لوقت طويل بأن النساء وكرة القدم كلمتان لا يمكن لهما الانسجام معا، مقارنة بعاملين أساسيين، هما ممارسة النساء لكرة القدم، التي هي شبه معدومة بالجزائر، واستهلاك النساء لـ”كرة القدم” كثقافة رياضية، وهي الأخرى شبه مستحيلة بدليل غيابهن عن الملاعب خلال البطولات الوطنية”. وخصصت السلطات الجزائرية سنة 2014 مدرجات خاصة للنساء والعائلات للتمكن من حضور مباريات كرة القدم، بعد أن باءت جميع محاولات قوات الأمن لبسط الاستقرار في الملاعب بالفشل، حيث غالبا ما تختتم التظاهرات الكروية بمشادات وحوادث كبيرة. ويقول الأستاذ في علم الاجتماع الجزائري ناصر جابي إن “كرة القدم رياضة رجولية، كما أن المرأة اجتماعيا كانت ممنوعة حتى من الدخول إلى ملاعب كرة القدم، على عكس جيراننا المغاربة والتونسيين حيث يسمح للنساء بممارسة هذه الرياضة ودخول الملاعب بحرية كاملة”.