×
محافظة المدينة المنورة

إغلاق مطعم بالمدينة المنورة عقب تسمم 66 شخصًا

صورة الخبر

هذه دعوة للنظر في التشعب الذي نعانيه ويتسع يومًا بعد يوم، دعوة لفتح باب المصالحة والتسامح بين الجميع بدون الاكتفاء برونق الكلام والإعلام.. قد لا يكون هناك فرق بين ما يتبادر إلى ذهنك عند قراءتك عنوان مقالي هذا, وبين تداخل حروفه بمعانٍ أخرى, فتضبيب الشعوب الناتجة عن طول استخدام وكثرة مناولة, هي صنعة الحكماء, ومبتغى أهل الاقتصاد والنظر, وسيدهم نبينا صلى الله عليه وآله, ففي الصحيح "أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشِّعب سلسلة من فضة" فدام ذلك الإناء وشرب منه أناس على مدى سنين متعاقبة, ولم تكن حكمة النبي صلى الله عليه وآله تقتصر على تضبيب شعوب الإناء, وإنما كانت جزءاً من تطبيق قاعدة أنزلها الله عليه لتكون منهجًا في كل ما يستطاع إصلاحه دون الاستغناء عنه, ولا يقتصر ذلك على الأواني والمادة, بل هو في الأساس بين بني البشر أولى وأحرى. ما يحصل أحيانًا داخل البيت الواحد, قد يكون التضبيب والإصلاح له أنفع الطرق وأقربها إلى الله وأرضاها له,(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ), فهناك خيارات كثيرة للزوجين المتخاصمين إلا أن أجملها هو رأب الصدع ولمٍّ الشّعَث (وَالصُّلْحُ خَيرٌ) وقد عُلق التوفيق والألفة بإرادة الصلح (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) فهذه الصنعة؛ صنعة لم الشمل ورأب الصدع وتضبيب الشعوب, لا يحسنها إلا من أوتي الحكمة، (ومن يؤت الحكمة فيد أوتي خيراً كثيراً) ولا يفكر فيها إلا من يفكر باستدامة الألفة والمودة والإخاء بين أفراد المجتمع الواحد, وليس ذلك في الأمور اليسيرة التي قد تحصل هنا وهناك مما قد يكون مألوفًا, وإنما جاءت هذه الصنعة في أمور عظيمة قد تصل إلى إعادة اللحمة بين شعوب متناحرة وقبائل متعادية, (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصحلوا بينهما), فلعل في طَرْقِ باب الإصلاح تنفتح أبواب أخرى من الحلول بين المتخاصمين بما يمحي كل أثر للعداوة, ويعيد بالإصلاح بناء جسر الأخوة على قاعدة (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم). كم هي السبل والوسائل التي يطرقها إبليس لتوسيع كل خلاف، وتمديد كل عداوة بين المسلمين في صور متعددة, فتارة في صورة اقتصادية ينشأ عنها التحاسد والتباغض والتدابر وتستدعي طريقة تخصها من طرق التصحيح والإصلاح بين الفرقاء, وتارة تأتي في صورة أهل السياسة فتكون العداوة بينهما مستعرة وتجييش كل فريق جماهيره وقوته حتى تكون بينهما حروب طاحنة, تستدعي أسلوبًا آخر من اللمّ والإصلاح, وتارة تأتي في صورة دينية, وهي الأشد فتكًا بين طبقات المجتمع الواحد, وقد بدأها إبليس من زمن قديم بتفريق المسلمين وتشتيتهم وتوسيع الشعوب في صفوفهم, وهذا ما أعطى الغلبة لأعداء الأمة والقدرة على التهام هذه الشعوب المسلمة, وقد أشار إلى ذلك نبينا صلى الله عليه وآله في غير ما حديث. نعيش واقعاً تحتاج فيه الشعوب المسلمة إلى تضبيب كتضبيب النبي صلى الله عليه وآله قدحه, لتكون وعاءً صالحًا للحياة, فإن تلك الشقوق والشعوب وإن أحدث كثيرًا منها السياسيون بغية السيطرة على تلك الشعوب إلا أن خطرها وضررها يعم الجميع ولا يستفيد منها إلا أعداء هذه الأمة الحقيقيون. فهذه دعوة للنظر في التشعب الذي نعانيه ويتسع يومًا بعد يوم, دعوة لفتح باب المصالحة والتسامح بين الجميع بدون الاكتفاء برونق الكلام والإعلام، وترك الجرح يتسع دون علاج, وتنبيهٌ للساسة وأهل الاقتصاد والمشايخ والعلماء ووجهاء المجتمع لضرورة تعلم "صنعة التضبيب" والنظر إلى الوطن وما يحويه، كالنظر إلى الجسد الواحد الذي لا ينفع معه علاج عضو وترك آخر.