×
محافظة مكة المكرمة

مشاجرة تنتهي بارتكاب جريمة قتل بجدة

صورة الخبر

النسخة: الورقية - سعودي الشباب كما يعرف الجميع هو الشريحة الاجتماعية التي يراوح عمرها بين 15 و30 عاماً. وتختص هذه الشريحة بخصال ومواصفات مميزة ولها عقلية ومسلكيات تنفرد بها عن غيرها من الفئات الاجتماعية الأخرى. فمن وجهة النظر الجسدية، يمتاز الشباب بالعنفوان والنشاط والحيوية والتوافر على فائض من الطاقة ربما تكون خلاقة وربما هدامة بحسب الوجهة التي توجه إليها. ومن وجهة نظري، يتسم الشباب بالحساسية وسرعة الانفعال وسهولة التأثر والجنوح إلى التمرد على القيود الاجتماعية وعلى الامتثالية، وبالميل إلى التحدي والمجابهة والمغامرة وعدم الاكتراث التي تصل أحيانا إلى التهور، فضلاً عن المخاطرة المترتبة عن التلقائية وعدم المقدرة على قياس المخاطر وتقدير العواقب. كما أن الشباب ميال بطبعه إلى الطوباوية والمثالية، ويطمح إلى العدالة والمساواة، وينفر من الظلم والغبن والإهانة والإذلال، ويرفض العسف والغطرسة والتسلط. فالشباب منجذب إلى تبني القيم السامية والإيمان بالمثل العليا، مثل الحرية والعدالة والمساواة وإشاعة الحب وتوفير السعادة للجميع. إلا أن الشباب بحكم طبيعته ميال إلى الاندفاع والجموح والنزق والمغامرات غير محسوبة النتائج، لكن هذه التصرفات مرحلية وموقتة وقابلة لأن يحد منها ويسيطر عليها جزئياً أو كلياً حين يتم اتخاذ الإجراءات الملائمة وانتهاج المسالك المواتية لذلك. فهذه المسلكيات والمواقف التي تميز الشباب وليدة حال ظرفية وموقتة وعابرة، ومن ثم فإنه لا يمكن بحال من الأحوال وصفها بالتطرف الذي يتمثل في التصرف الأهوج الهدام والمبيت، لكن من المؤكد أنها ربما تتحول إلى تطرف مدمر إذا لم تتخذ الاحتياطات الضرورية للحيلولة من دون ذلك. بعبارة أخرى، إن حيوية الشباب والطاقة الهائلة الكامنة فيه إذا لم يصرفا في تحقيق إنجازات محسوسة ويوجها إلى ممارسات مثمرة، وإذا لم تتم مراعاة المثل التي يؤمن بها واحترام القيم التي يستأنس بها، وإذا ما تم إخضاعه للعسف والمعاناة والإهانة والدونية، وإذا ما سدت في وجهه الآفاق وسيطر عليه اليأس والقنوط، عندها فإن شعوره بالغضب وميله إلى التحدي والمغامرة غير محسوبة العواقب تتحول إلى عوامل ربما تقود إلى التطرف الجارف الذي ربما يحول البلدان إلى خراب ودمار يكونان وبالاً على الجميع. وعندها فالمسؤولية لا تقع على الشباب بقدر ما تقع على السلطات السياسية المسؤولة عن تدبير الأوضاع في هذه البلدان. الحقيقة أن التطرف ليس سلوكاً تلقائياً ومجانياً أو عبثياً آت من فراغ، بل لا بد من أن له أسباباً ودواعي ومبررات يجب تشخيصها ومعالجتها، إذ إن الأمور في الغالب تزول بزوال مسبباتها. ويتمثل ذلك في المبالغة والغلو والشطط وتخطي كل الحدود المتفق عليها في سياق اجتماعي معين، ويتجلى في الجموح المفرط، والإخلال بالموازين التي ترتكز عليها حياة المجموعات والأفراد وفي الخروج عن الوسطية وعن الوفاق والتطرف، ويرتكز على الأنانية والشمولية وأحادية النظرة ونكران التعددية ورفض الاختلاف والرغبة في السيطرة وفرض الذات، وإخضاع الآخر لرؤية معينة أو سلوك أحادي الجانب بواسطة الإكراه والعنف واللجوء إلى القوة والترويع والإرهاب الفكري أو المادي. وينبغي ألا يخلط بين عنفوان الشباب وولعه بالتجديد والخروج عن المألوف ورغبته الجامحة في إحداث تغييرات اجتماعية وسياسية واقتصادية وبين التطرف، فعنفوان الشباب وتوقه إلى المغامرات غير محسوبة العواقب تصرفات موقتة ومرحلية تزول بتخطي تلك المرحلة من العمر. بيد أن الشباب إذا لم يعط الفرصة لصرف شحنة الطاقة الكامنة فيه وإذا لم يتح له أن يستثمر حيويته في عمل ذي مردود إيجابي، وإذا سدت في وجهه الآفاق وأصيب بالإحباط واليأس فإنه لا محالة سيسخط ويغضب ويصبح ناقماً على المجتمع، حاقداً عليه، فتولد لديه الرغبة في الانتقام والهدم، وهنا يتحول غضبه ونقمته إلى تطرف ربما يتخذ أشكالاً عدة غير محمودة العواقب، ولا بد من الحصافة والحكمة لتفادي وقوعها والحيلولة من دون ظهورها.     nbengabi@sp.com.sa