كلما تأملت في قصة نبي الله شعيب -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-، ازددت قناعة بأن عقارب التاريخ قد ترجع فعلاً آلاف السنين إلى الوراء، لا لمناظرة المكان، وإنما للتذكر بأحوال الناس وأخلاقهم وقناعاتهم والانحراف الذي قد يلحق بسلوكياتهم. في سورة الشعراء يقص علينا الحق تبارك وتعالى حوار شعيب مع قومه فيقول: (كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ المُرْسَلِينَ* إذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ* إنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ). ثم يدعوهم إلى أخلاقيات رفيعة هي من اشتراطات تمكن التقوى من القلوب، ولأن القوم قد أسرفوا في هذه السلوكيات الشائنة التي اشتهروا بها وشاعت فيهم كما شاعت فاحشة إتيان الرجال في قوم لوط. هذه الأخلاقيات الرفيعة سطرها القرآن في ثلاث آيات معجزات بينات فقال على لسان شعيب: 1- أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين. 2- وزنوا بالقسطاس المستقيم. 3- ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين. ووفاء الكيل دلالة التقوى وشعار المؤمن الذي يخشى اليوم الآخر. والكيل في عصرنا الحاضر يتجاوز أدوات الوزن التقليدية إلى كل الصور الأخرى، ومنها مثلا عدم الالتزام بالعقود، ومنها حتما الكيل الإعلامي المائل، وفاعل ذلك هو (من المخسرين) أي الباخسين حقوق هذا أو تلك. أما الأمر الثاني فالوزن بالقسطاس المستقيم، ومع تحقيق هذا المعيار تنتفي كل الأوجه المخالفة للعدالة. وعلى رأسها كل معيار منحرف ينبني عليه إجراء غير عادل، ومنها على سبيل المثال المعايير المناطقية والقبائلية والعشائرية، وأمثالها من معايير الواسطة غير الحسنة التي تحرم الآخر من حقه أياً كان. وأما التوجيه الأخير فهو بخس الناس حقوقهم، وتلكم مما يضر الأوطان بأسرها، فالمرتشي مثلاً يغض الطرف عن التزام الراشي باشتراطات معينة عند تنفيذ مبنى أو توريد أجهزة أو سفلتة شارع أو تقديم خدمة ليكون المنتج في النهاية رديئاً يتأذى منه عامة الناس، وذلك في نهاية المطاف هو الفساد في الأرض. قصة شعيب مع قومه.. نموذج يتكرر اليوم وغداً، فبورك للمتقين. salem_sahab@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (2) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain