أغلب الأمراض لها علاقة قوية بالتغذية سواء في تسبيبها أو علاجها، فهناك أمراض علاجها الأساسي التغذية الصحيحة مثل أمراض اضطراب الاستقلاب والأيض فأي خطأ في التغذية تسبب بالتأكيد مشكلة صحية كبيرة تصل للوفاة أحياناً، وهناك حوالي 43 مرضاً مسجلاً في المملكة تحت هذه القائمة وكذلك مرضى العناية المركزة من الأطفال والكبار، وهناك أمراض تتطلب تكامل العلاج الدوائي والغذائي مثل أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم والسمنة وفقر الدم بأنواعه والسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والكلى والأمراض الباطنية ومرضى الجراحة والعظام وأغلب أمراض الأطفال وبعض الأمراض النفسية. النوع الثالث هو استخدام الأغذية للوقاية من الأمراض وتعزيز الصحة واللياقة والجمال. أما في جانب الفئات الخاصة من غير المرضى مثل الرضع والأطفال والمراهقين والحوامل والمرضعات وكبار السن والرياضيين وأصحاب الاحتياجات الخاصة فهم يحتاجون أيضاً لأغذية خاصة بكل منهم بما يتناسب واحتياجاته اليومية. هنا تبرز حاجتنا للمختصين في التغذية العلاجية المؤهلين في علوم الأمراض والتغذية لتعزيز الوقاية من تلك الأمراض وعلاجها حسب التوصيات المحددة لكل منها. الأمراض ذات العلاقة بالتغذية في ازدياد مضطرد، وكلنا نعرف النسب العالية المخيفة للأمراض المزمنة في المملكة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض الكلى والقلب والشرايين والسمنة والسرطان وغيرها، والأمراض التي بدأت تنتشر مؤخراً مثل حساسية القمح أو مرض سيلياك والتوحد وفرط الحركة والتصلب المتعدد وغيرها، كل تلك الأمراض في ازدياد على الرغم من توفر العلاج، وأقولها بكل وضوح أنه لا يمكننا علاج تلك الأمراض كلها ولا تقليل نسب الزيادة فيها باستخدام العلاج فقط، لأن العلاج يكون للمصابين بالمرض ولكن هناك فئات معرضين للمرض سينضمون في الغالب لقائمة المرضى بعد فترة تقصر أو تطول، وهؤلاء للأسف لم يجدوا العناية الكافية من مقدمي الخدمات الطبية وفي مقدمتهم وزارة الصحة، وبدون تطبيق برامج الوقاية وتعزيز الصحة ستواصل نسب هذه الأمراض في الارتفاع وسنرى ضحايا جدداً لها كل يوم، فنعالج مريضاً وبعد فترة يكونوا اثنين وهكذا، فيصعب تغطية الاحتياجات العلاجية فكما نرى المستشفيات الحكومية والخاصة مزدحمة وقائمة الانتظار تطول والمضاعفات تتزايد والمشكلة تتضخم والتكاليف ترتفع . المشكلة أن أغلب هذه الأمراض مرتبطة مع بعضها ويسبب بعضها بعضاً، فالسكري والسمنة وارتفاع ضغط الدم تسبب أغلب الأمراض المزمنة الأخرى ومنها الفشل الكلوي وأمراض القلب والجلطات، فالفشل الكلوي مثلاً يسبب مرضي السكري وارتفاع الضغط بنسبة أكثر من 75%، ولو طبقت برامج التغذية العلاجية وتعزيز الصحة الوقائية لانخفضت المضاعفات مما سيؤدي إلى وقف تلك المضاعفات ولم تصل للفشل الكلوي. كثير من الدول طبقت برامج الوقاية وفي مقدمتها التغذية العلاجية فحققت نجاحات سجلتها نتائج الأبحاث المنشورة، كان أهم تلك النتائج المحافظة على صحة المجتمع مما يزيد انتاجيته وتقليل تكاليف العلاج توجيه فرق الميزانيات لرفع المستوى المعيشي، وهو أمر مهم بالذات في الفترة الاقتصادية الحالية. أثبتت البراهين العلمية ونتائج الأبحاث الطبية أن الأمراض ذات العلاقة بالتغذية ترفع متوسط علاج المريض بنسبة أكثر من 300%، ويمكن تلافي النسبة العظمى من هذا الرقم من خلال تحسين برامج التغذية العلاجية والوقائية، كما أثبتت الأبحاث التي أجريت في كندا وبريطانيا على أكبر 6 مستشفيات أن استخدام برامج التغذية العلاجية توفر 25% من تكاليف علاج السمنة، و12% من تكاليف علاج أمراض القلب والشرايين، وتقلل مراجعي المستشفيات للمرة الثانية بنسبة 28%، وتوفر تكاليف الفحوصات المخبرية والأشعة بنحو 28%، و9% من تكاليف العناية المركزة باهظة الثمن كما تعرفون، كما توفر بين 55-75 % من وصفات المكملات الغذائية بما فيها الفيتامينات والمعادن التي يصفها بعض الأطباء دون حاجة أو بطريقة غير صحيحة. كما وجد في بريطانيا أنه من خلال وجود أخصائي/ـة التغذية العلاجية ضمن الفريق المعالج لمرضى السكري أو تم تحويل المريض عليهم فيتم توفير بما يعادل 25 ألف ريال سنوياً للمريض الواحد، كما يوفر علاج نقص فيتامين (د) وحده مئات الملايين من الجنيهات الاسترلينية التي تنفق على علاج مضاعفات نقص الفيتامين، فتصوروا أن من يعانون من نقص هذا الفيتامين في المملكة يصل إلى 80% من المجتمع، فكم عدد المصابين به من كل أفراد المجتمع وماهي المضاعفات المؤكدة لنقص الفيتامين وكيف ستتحول مشكلة نقص فيتامين يمكن تعويضه مع التوعية بالسبل الطبيعية للحصول عليه إلى مشاكل صحية معقدة مثل هشاشة العظام وكسور الحوض والأمراض الناشئة عن نقص هذا الفيتامين وللأسف لا توجد برامج وقائية للمصابين بذلك النقص ولا يتم تشخيص حالتهم إلا بعد وجود أحد المضاعفات إلا في حالات نادرة. في عام 2012م نشرت الحكومة الهولندية تقريرها الصحي وقد تضمن برنامجاً للوقاية واستخدام التغذية العلاجية بشكل مناسب فوجدوا أن كل (1 يورو) ينفق في تلك البرامج الوقائية يوفر (4 يورو) من تكاليف العلاج، كما وجدوا أن كل (1 يورو) ينفق لبرامج التغذية العلاجية – الرخيصة نسبياً- للمجتمع يوفر (63 يورو) خلال خمس سنوات، مما وفر للحكومة الهولندية 1.9 بليون يورو خلال خمس سنوات كانت تنفق في علاج السمنة ومضاعفاتها فقط. وقد يبدو الرقم مبالغاً فيه، ولكنهم نشروا تفاصيل تلك التكاليف بما فيها تكاليف المستشفيات والعاملين فيها والفحوصات والأدوية. وفي نيوزلندا نشرت مجلة الرعاية الصحية الأولية (Journal of Primary Health Care) عام 2015 م نتائج مجموعة من الأبحاث أوضحت أن كل 1 دولار ينفق على برامج التغذية العلاجية يوفر ما بين 5.5 إلى 99 دولاراً كانت تصرف في علاج السمنة وأمراض القلب والشرايين والسكري وسوء التغذية لدى كبار السن. وقد نشرت مجلة التغذية الإكلينيكية البريطانية (Journal of Clinical Nutrition) 2013م النتائج التي توصلت لها 12 دراسة طبية كان متوسط خفض التكاليف هو 12.2% عند تطبيق توصيات اخصائيي التغذية العلاجية، وقد انخفضت المضاعفات بنسبة35%. ونحتاج للمختصين في التغذية العلاجية في توعية المجتمع بالأمراض ذات العلاقة بالتغذية وسبل علاجها والوقاية منها، فهاهي وسائل التواصل الاجتماعي تفرز لنا يومياً عدداً كبيراً من المعلومات المضللة والمغلوطة والتي تؤدي بلا شك إلى تردي الحالة الصحية لمن يصدقها، وقد طرحت أمثلة عليها في العدد السابق.