×
محافظة المنطقة الشرقية

الوحدة يظفر بنقطة من الباطن

صورة الخبر

القرآن كتاب الله القويم‮، وحبله المتين‬،‮ ‬والذي أعجز العرب وهم سادة البلاغة والفصاحة، يتضمن آياتٍ قد تحتار فيها العقول، لما فيها من‮ ‬غموض‮..‬ ومن هذه الآيات قول الله تبارك وتعالى في سورة الفاتحة‮: «‬صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ»، ‬فمن هؤلاء الذين أنعم الله عليهم وما صفاتهم؟ يقول ابن عباس: «قوله‮ «‬أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» ‬هم‮ ‬الملائكة والنبيون والصديقون والشهداء الذين أطاعوني‮ ‬وعبدوني‮»، وقال مجاهد: «هم المؤمنون‮».‬ ومما جاء في‮ ‬مختصر «تفسير البغوي» لعبدالله بن أحمد: قوله تعالى:‮ «‬صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‮» (‬الفاتحة: 7 ‮) أي‮: ‬مننت عليهم بالهداية والتوفيق،‮ ‬قال عكرمة‮: ‬مننت عليهم بالثبات على الإيمان والاستقامة، وهم الأنبياء عليهم السلام،‮ ‬وقيل‮: ‬هم كل من ثبته الله على الإيمان من النبيين والمؤمنين‮. ‬وقال ابن عباس‮: ‬هم قوم موسى وعيسى عليهما السلام قبل أن‮ ‬يغيروا دينهم،‮ ‬وقال عبدالرحمن‮: ‬هم النبي‮ ‬ومن معه،‮ ‬وقال عبدالرحمن بن زيدان‮: هم ‬رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته،‮ ‬وقال شهر بن حوشب‮: ‬هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته‮.‬ الهداية والتوفيق وجاء في‮ ‬تفسير القرآن للدكتور مصطفى العدوي‮: ‬قال تعالى‮: «‬صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ»، ‬المنعم عليهم فُسروا في‮ ‬سورة النساء بقوله تعالى‮: «فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا» (‬النساء: 69 ‮‮)، وقوله‮: «‬أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» ‬أي‮: ‬بالهداية والتوفيق،‮ ‬وكذلك أنعمت عليهم بعموم نعمك‮.. ‬ولقد بيّن لنا الله تعالى هذه الفئة المحببة إلى الله، وإلى قلوب العباد في‮ ‬قول سبحانه وتعالى في سورة مريم: «‬أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا» (مريم: 58) ويقول الطاهر بن عاشور في تفسيره المعروف باسم «التحرير والتنوير» حول معنى «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ»: ‬«إن في‮ ‬اختيار وصف الصراط المستقيم بأنه «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» دون بقية أوصافه، تمهيداً لبساط الإجابة، فإن الكريم إذا قلت له: أعطني‮ ‬كما أعطيت فلاناً كان ذلك أنشط لكرمه‮، والنعمة‮- ‬بالكسر وبالفتح‮- ‬مشتقة من النعيم، وهو راحة العيش وملائم الإنسان والترفه،‮ ‬‬والنعمة الحالة الحسنة، لأن بناء الفعلة بالكسر للهيئات ومتعلق النعمة اللذات الحسية، ثم استعملت في‮ ‬اللذات المعنوية العائدة بالنفع، ولو لم‮ ‬يحس بها صاحبها‮. ‬فالمراد من النعمة في‮ ‬قوله‮: ‬«الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» النعمة التي‮ ‬لم‮ ‬يشبها ما‮ ‬يكدرها ولا تكون عاقبتها سوءاً،‮ ‬فهي‮ ‬شاملة لخيرات الدنيا الخالصة من العواقب السيئة ولخيرات الآخرة،‮ ‬وهي‮ ‬الأهم،‮ ‬فيشمل النعم الدنيوية، الموهوبي‮ ‬منها والكسبي،‮ ‬والروحاني‮ ‬والجثماني،‮ ‬ويشمل النعم الأخروية‮.‬«والنعمة بهذا المعنى‮ ‬يرجع معظمها إلى الهداية،‮ ‬فإن الهداية إلى الكسبي‮ ‬من الدنيوي‮ ‬وإلى الأخروي‮ ‬كله ظاهرة فيها حقيقة الهداية،‮ ‬ولأن الموهوب في‮ ‬الدنيا، وإن كان حاصلاً بلا كسب، إلا أن الهداية تتعلق بحسن استعماله فيما وهب لأجله».‬ طريق الإسلام فالمراد من المنعم عليهم الذين أفيضت عليهم النعم الكاملة، ولا تخفى تمام المناسبة بين المنعم عليهم وبين المهديين حينئذٍ، فيكون في‮ ‬إبدال صراط الذين من الصراط المستقيم معنى بديع، وهو أن الهداية نعمة وأن المنعم عليهم بالنعمة الكاملة قد هُدوا إلى الصراط المستقيم‮. ‬والذين أنعم الله عليهم هم خيار الأمم السابقة من الرسل والأنبياء الذين حصلت لهم النعمة الكاملة‮. ‬وطريق المنعم عليهم فيما مضى هو دين الإسلام الذي‮ ‬جاء من بعد، باعتبار أن الصراط المستقيم جارٍ على سنن الشرائع الحقة في‮ ‬أصول الديانة وفروع الهداية والتقوى،‮ ‬فسألوا ديناً قويماً‮ ‬يكون في‮ ‬استقامته كصراط المنعم عليهم فأجيبوا بدين الإسلام،‮ ‬وقد جمع استقامة الأديان الماضية وزاد عليها،‮ ‬أو المراد من المنعم عليهم الأنبياء والرسل، فإنهم كانوا على حالة أكمل مما كانت عليه أممهم،‮ ‬ولذلك وصف الله كثيراً من الرسل الماضين بوصف الإسلام، وقد قال‮ ‬يعقوب لأبنائه‮: ‬«فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ»‮ (‬البقرة: 132 ‮)، ‬ذلك أن الله تعالى رفق بالأمم فلم‮ ‬يبلغ‮ ‬بهم‮ ‬غاية المراد من الناس، لعدم تأهلهم للاضطلاع بذلك، ولكنه أمر المرسلين بأكمل الحالات، وهي‮ ‬مراده تعالى من الخلق في‮ ‬الغاية،‮ ‬وسواء فسرنا المُنعم عليهم بالأنبياء أو بأفضل أتباعهم أو المسلمين السابقين فالمقصد الهداية إلى صراط كامل، ويكون هذا الدعاء محمولاً في‮ ‬كل زمان على ما‮ ‬يناسب طرق الهداية التي‮ ‬سبقت زمانه، والتي‮ ‬لم‮ ‬تبلغ‮ ‬إلى نهايتها‮.‬ النعمة الكبرى وقال د. عبدالله الجلالي‮ ‬في‮ ‬تفسير قوله تعالى‮: «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ»: ‬«المراد بالذين أنعم الله عليهم‮: ‬هم المؤمنون،‮ ‬فالله عز وجل أنعم على المؤمنين بالإسلام،‮ ‬وأضل الكافرين عن هذا الطريق‮.. ‬وهذه ليس المراد بها نعمة المادة فقط التي‮ ‬يسألها ويطلبها ويسعى إليها كثير من الناس،‮ ‬فنعمة الإسلام هي‮ ‬أكبر نعمة،‮ ‬وأكبر ما من الله عز وجل به على واحد من الناس أن هداه لهذا الدين،‮ ‬ولذلك أخبر الله عز وجل فقال‮: (‬أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)‬،‮ ‬أي‮: ‬أنعمت عليهم بالهداية،‮ ‬وأنعمت عليهم بالتوفيق،‮ ‬وقد ضل عن هذا الطريق أناس كثر،‮ ‬وأخبر بأن هؤلاء الذين هداهم الله عز وجل هم الذين أنعم الله عليهم،‮ ‬كما قال الله عز وجل في‮ ‬سورة النساء‮: «فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ» (النساء‮:‬ 96‮)‬،‮ ‬أي‮: ‬نعمة الهداية في‮ ‬الدنيا،‮ ‬ونعمة الجنة والدرجة العالية في‮ ‬الحياة الآخرة،‮ ‬ولذلك قال الله عز وجل‮: (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)‬،‮ ‬أي‮: ‬نعمة سابغة،‮ ‬وهي‮ ‬أعظم نعمة،‮ ‬فنعمة المال والأهل والولد كل هذه في‮ ‬الحقيقة تعتبر نعمة،‮ ‬لكنها وإن كانت نعمة في‮ ‬الحقيقة إلا أنها نعمة دون النعمة الكبرى،‮ ‬فالنعمة الكبرى هي‮ ‬هداية الإسلام،‮ ‬وما أنعم الله عز وجل على أحد أفضل وأكثر مما أنعم به في‮ ‬الهداية إلى الإسلام‮».‬