×
محافظة المدينة المنورة

الحربي مديراً للشؤون الاجتماعي بالمدينة‎

صورة الخبر

إنه الفيلم الذي يمكن اعتباره «محصلة تصوير سري متقطع» لكافة يوميات الثورة السورية. ثمة في ثناياه صغار بنظرات باتت ضبابية من هول ما رأت، رجل يرغب بالبكاء على فقد عزيز، امرأة وحيدة في مواجهة متطرفين، جنود مبتهجون يرقصون مع أسلحتهم، مفتي حبور بخداع نفسه... «سورية، يوميات الزمن الحاضر»، مقاطع من تاريخ ولعلها «شظايا» من تاريخ سورية التقطتها عدسة... من؟ لا يهم، أفراد مجهولون محبون لوطنهم وللسينما، يعملون معاً تحت اسم «أبو نضّارة» ليُروا ما تستطيعه السينما أمام طوفان الصور الإخبارية والعنف القادم من سورية. فيلم «سورية، يوميات الزمن الحاضر» وثائقي يجسد الإبداع الفني كوسيلة للتعبير عن الشوق إلى الحرية والكرامة.   لا خطب... الفيلم الذي عرض في معهد العالم العربي وفي جمعية المؤلفين للإعلام المتعدد في باريس وعلى شاشة آرتي الثقافية الفرنسية الألمانية، ويعرض قريباً في بيروت... شاهد على جهنمية القمع، على الخراب، وعلى روح شعب يعبر أزمة مدمرة. إنه انعكاس لما آل إليه الشعب السوري: رهينة. عبر مقابلات مميزة وتطرق لجوانب متعددة من الصراع السوري، أفلح الشريط خلال اثنتين وخمسين دقيقة وضمن تواتر إيقاعي في تجنب عقبات الفيلم التسجيلي. إحدى هذه العقبات تتجسد في توليـــفه جنباً إلى جنـــب مقاطــــع لكل منها أهميتها القصوى. يمكن وصفها بالقـــوية أو المــــؤثرة، لكن من دون أن يجمعها ابتكار أو شيء من الإبداع في إطــــار ما. كأن تُجمع مثلاً مشاهد مميزة بجـــمالها لمدينة أو لبلد وأن يكتفى بهذا القدر للتعبير، تعبير لا يسمح بفهم. في حـــالة كهذه، يبدي الوثائقي هذا، ذاك، ثـــم أيضاً هـــذا فذاك... ويبـــدو الأمر وكأنه مجــــرد تـــعداد لمجموعة صور متتابعة من دون أن يكون ثمة من خطة، من إطار. ثمة عقبة أخرى تواجه الوثائقي، أكثر جسامة، تتمثل في وجود النية بتوجيه خطاب تعليمي. كأن يُسمع أحياناً في الفيلم صوت يُخبر بنبرة «حيادية» عن الحقائق التي وراء الصورة. إنه صوت المــخرج صانع العمل، «الأستاذ» الذي يقول لنا كيف علينا أن نفكر وإلى أين علــى تفكيرنا التوجّه. قد تُلحق بالشريط كذلك مؤثرات أخرى لتبيان المزيد من المــوضوعية، جداول بيانية، تواريخ وأرقام... أي كل ما يذكّر بدرس وما يمكن أن يعيــــد المشاهد إلى مقاعد الدراسة. كما قد يحصل، وهذا في أسوأ الأحوال وإن لم يكن بالأمر النادر، أن يكون الأشخاص الذين «ادعينا» أن الكلمة أعطيت لهم ليسوا هم أنفسهم، بمعنى أن ظهور «حقيقتهم الإنسانية» ليس على هذه الأهمية. لعله من الصعب على الفيلم الوثائقي أن يتجنب هاتين العقبتين. لكن هذا الفيلم نجح. «يوميات الزمن الحاضر» لمجموعة أبـــو نضَارة السورية، نجح بشكل مثير للـــدهشة. إنه يطوّر سرداً واضحاً ومختصـــراً حول الأحداث في سورية: ثورة شعبية حرّض على قيامها نظام قمعي، غدت حرباً بات فيها الشعب مأخوذاً كرهينة وباتت الآمال بالخروج بعيدة. ولتطوير هذا المفهوم، ليس ثمة من حاجة لخرائط، لبيانات، لاستطراد تحليلي عارف عن الدبلوماسية والسياسة والجماعات المسلحة... فحتى لو كنت لا تعرف سورية، حتى لو كان الأمر متعلقاً بصراع لم يسبق وسمعنا عنه، حتى لو كان ما يجري يجري في بلد غير معروف، ستدرك جيداً هذا الانزلاق... هذه هي غاية الفيلم، خطاب الفيلم وموضوعه. ولجعل المشاهد يدركه يرتكز الشريط أكثر ما يرتكز على الشهادات.   لا تعليق هناك نوعان من تلك. الأول حيث الشهادات جماعية وتلك لم تكن سوى حشود التظاهرات السلمية في بداية الثورة. هل ثمة أفضل من مثال كهذا؟ بمشاهدتها وبسماعها ندرك الحماسة والأمل والمرح والبهجة المصاحبة للأيام الأولى. ليس من ضرورة للتعليق، والمخرجون (المجموعة التي بلا أسماء) لا يعلقون. في ما بعد، يأتي أساس الفيلم وهو قائم على الشهادات الفردية. كل الشخصيات التي تتحدث أمام الكاميرا، تبدو «إنسانية»، من الواقع، تعبّر عن المُعاش، بمستويات مختلفة ومتناقضة قليلاً في بعض الأحيان، بكلمات مترددة أحياناً أخرى كونها تبحث عن حقيقة ما لم تدركها بعد أو لا تستطيع تجسيدها بكلمات. إنها، على عكس المسؤولين الذين يستجوبون في العادة عن أزمة سياسية في الفيلم التسجيلي، هؤلاء لا يبحثون غالباً عن قول حقيقة ما ولكن عن يقين «مسبق» ليس من بنات أفكارهم، يعتقدون به أو يدّعون الاعتقاد به. إن ما أظهره الفيلم من خلال تسلسل الشهادات الإنسانية، يشكل رحلة حقيقية في سورية. حين يسافر المرء في بلد، ليس كصحافي موكّل بمهمة «جلب» أخبار طُلبت منه من رؤسائه، لكن كفرد حرّ باحث عن «فهم» ما يلمس، لا يلتقي بمسؤولين ولا بآلاف الأشخاص لاستطلاع آرائهم، إنما ببضعة عشرات من بينهم عشرة أو عشرين هم من يخاطبونه بصدق وبإخلاص. هذا يكفي لفهم ما يجري، هنا حقيقة تبرز للكل، وهي في كل الأحوال أفضل من أي دراسة سياسية. هذا هو بالتحديد دور الوثائقي، أن يسمح بهذا النوع من الفهم، فَهْم لا يتيحه درس جامعي، محاضرة، مقالة أو مجرد صور متواضعة في شريط... «سورية، يوميات الزمن الحاضر» هو على نحو ما هذا الوثائقي. يوميات الثورة السورية