×
محافظة المنطقة الشرقية

منح عضوية نادي النصر لعلا الفارس

صورة الخبر

عقب فوز أردوغان للمرة الثانية في الانتخابات التركية الأخيرة، وبعد أزمة الصراع الإسلامي في تركيا مع القوى المعارضة العلمانية في تركيا، فرح بعض الإسلاميين في العالم العربي بهذا الفوز، على اعتبار أن حزب العدالة يمثل القوة الإسلامية داخل إحدى العلمانيات. نحن نعرف أن الديمقراطية تأتي كنتيجة لكثير من التحولات الاجتماعية والسياسية في أي بلد، وظهورها يعني ظهور وعي داخل طيات هذا المجتمع. هي نتيجة لبنية المجتمعات المتطورة في أساليب حياتها اليومية. معنى ذلك أن الكثير من السلوكيات اليومية أمام فحص دقيق وطويل، بحيث تصبح الأفكار القديمة موضع النقد والمراجعة؛ لخلق أفكار أكثر انفتاحا وأكثر انسجاما لبنية المجتمعات المنفتحة وتضع خيار التعددية أمام خيار الواحدية الاجتماعية ــ إذا صح الوصف. الفرد هو الفاعل الاجتماعي وليس الجماعة أو القبيلة الحزبية أو الفكرية أو الاجتماعية. الفرد هو المتحكم هنا في اتخاذ القرار دون أي ضغوطات من أحد إلا ضغوطات المصلحة الاجتماعية، والتي غالبا ما تكون أكثر توسعا في الحرية الشخصية التي تطالب بالتغيير أو تمارس حرية الانتخاب. الوعي الاجتماعي والانتخابي ضروري في الممارسة الانتخابية، لكن لا يعني هذا أن الديمقراطية غائبة تماما عن ممارسات الشعوب غير الواعية، وإنما هي ديمقراطية مفصلة بحسب قوة التأثير على الجماهير، فتأتي بشكل منقوص أو تشوبها الكثير من الشوائب، خصوصا لدى تلك التي تعاني من مشكلات السلطات الدينية أو حزبية أو غيرها، بحيث تعيق مسألة الحريات الشخصية، إذ أنه حين أقف لكي أمارس حقي الانتخابي، فإنه يجب الوقوف مع إزاحة كافة الأشكال الإقصائية لتكون المصلحة الوطنية هي الأساس، مع استحضار كافة المسائل التي تتبناها الديمقراطية كالاختلاف والحريات والتعددية وغيرها. هنا تصبح الديمقراطية نتيجة لتحولات المجتمع نحو القيمة الديمقراطية ذاتها، أي نحو مفهوم الديمقراطية بوصفها ممارسة حياتية وفكرية تقبل بوجود الآخر أيا كان هذا الآخر بكامل حقوقه. قبول الآخر وقبول حقه الانتخابي في الترشح والترشيح يعني أنني أضع نفسي بمساواة هذا الآخر، وأضعه مساويا لي في الحقوق والواجبات، وقبولي له بهذا الشكل هو قبول الهزيمة الانتخابية، وقبول فوزه كما يفترض فينا قبول العمل معه، حتى وإن كان ضد الرؤى التي نحملها. هذه الرؤية التي أكرر طرحها كثيرا في كل مناسبة تدور حول المفاهيم الديمقراطية لا نجد لها تطبيقات عملية في عالمنا العربي؛ لذلك يصبح الفرح في فوز الأحزاب الإسلامية في تركيا غير مفهوم إلا كونه صراعا عربيا إسلاميا/ عربيا ليبراليا، فالحريات الشخصية التي تؤكد عليها الديمقراطية يصعب تطبيقها في العام العربي كمسألة فرض الحجاب من عدم فرضه بوصفه أحد أهم مظاهر الحريات الشخصية التي تؤكد عليها الدول الدستورية الديمقراطية. هذه المسألة صعبة جدا على إسلاميينا إلا من تربوا في ظل دول علمانية. كتبت مرة في مقال قديم نسبيا بعنوان: «إسلاميات ما بعد العلمنة» أنه «لم يكن من السهولة في ظل مفهوم الدولة الحديث أن تتجاوز هذه التيارات (أقصد الإسلامية في تركيا) منجزات العلمانية، وفي تركيا ــ مثلا؛ لأنها لم تخرج بهذه الرؤية المستنيرة إلا في الفضاء العلماني الذي جاءت ضمن سياقه العام، فولادتها ضمن هذه العلمانية واستمرارها ووصولها إلى الحكم لم يكن لولا سماح العلمانية لها بالتواجد ما دام أنها تحافظ على الحد الأدنى من الحريات، وما دام أنها تشتغل وفق مفهوم المواطنة، وحيادية الدولة في القضايا الخاصة. الديمقراطية أحد أهم الإفرازات العلمانية، ويمكن القول: إن أي دولة ديمقراطية هي بالضرورة دولة علمانية مهما حاول البعض الفصل بين المفهومين، وعلى هذا الأساس يصبح التيار الإسلامي المستنير الذي يريد الوصول إلى الحكم مع الحفاظ على حقوق الإنسان المعترف بها في معظم الدول، وهي مبادئ أساسية في مفهوم الدولة الحديثة؛ (لـــ)يصبح تيارا (إسلاميا ما بعد علماني)، أي أنه لا يمكنه تجاوز الحقوق التي تأصلت وفق الفضاء العلماني العام، ومن هنا (أن) نجنح إلى قراءة إسلامية مستنيرة للدين والدولة على حد سواء كمحاولة توفيقية بين ما هو ديني/ مقدس، وما هو دنيوي/ تاريخي». هناك مساحة واسعة بين ديمقراطية العرب وبين ديمقراطية تركيا، إذ أن للتحولات الكثيرة في مفهوم الدولة الحديثة وحدود السلطة الدينية بها أثر على التحول نحو الديمقراطية في أي حراك إسلامي، سواء عربيا كان أو غير عربي.