صراحة نواف العايد : أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور خالد الغامدي المسلمين بتقوى الله عز وجل فأتقوا الله عباد الله وراقبوه واعلموا أنه ( من يطيع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ) . أيها المسلمون: إن هذا الكون الفسيح وما حداه من عظيم صنع الله وبديع آياته، وحكيم أفعاله يسير وفق سنن ربانية وقواعد متقنه لا يحيد عنها ولا يميل، في إحكام وثبات واستقرار لو اختل شيء منها طرفة عين لفسدت السموات والأرض ومن فيهن (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ )، إن السنن الإلهية التي بثها الله في الكون والأنفس والمجتمعات سنن ثابتة مستقره مطرده لا تتبدل ولا تتحول، وذلك من أعظم صفاتها كما قال سبحانه (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ) سنن شاملة للعالم كله علوية وسفلية شاملة للحياة كلها وأحدثيها وتقلباتها، شاملة لكل شيء في هذا الكون، فر بنا سبحانه في كل لحظة وكل يوم هو في شأن وكل شيء عنده بمقدار (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) إنها السنن الإلهية الثابتة المطردة الشاملة التي لا تحابي أحداً دون أحد ولا تجامل أمةً دون أخرى فكل من حقت عليه سنة الله فهي واقعة به لا شك، عصى الرماة أمر رسول الله e في أحد فهزموا، مع أنهم كانوا على الحق، لأن سنة الله لا تحابي أحد، ونصر الله وإعزازه وإكرامه ينزل إلى الناس وفق سنن دقيقة محكمة، والهزيمة والذلة ويستحقها الناس سنة محددة واضحة المعالم بينةٍ لاخضاءبها ولا غموض، وتلك صفة أخرى من صفات السنن الربانية لمن تأمل وتفكر وأحسن استعمال عقله في استخراج واستنباط السنن، ورأى كيف أن أحداث الحياة والتاريخ والأفراد والأمم تسير وفق هذه السنن العجيبة الواضحة البينة، أما الغافلون عن هذه السنن الإلهية اللاهون عنها فسوف تفجؤهم الأهات ويحق عليهم سنن الله وسيعضون أصابع الندم ولآت ساعة مندم (فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ) . وقالإمام المسجد الحرام إن السنن الإلهيئة في الأنفس والأفاق والمجتمعات كثيرة ومتنوعة بتنوع متعلقاتها، فهناك سنن كونية طبيعية وسنن اجتماعية، وسنن حضارية اقتصادية، وسنن تاريخية، وسنن الاستخلاف والتمكين وقد بين الله سبحانه كثيراً منها في كتابه وعلى لسان رسوله وأمرنا سبحانه أن ننظر ونتأمل في الآيات والقدر وأحداث التاريخ والقصص والقرآن لكي تنشأ عقول ناضجة مدركة لهذه السنن التي تحكم المجتمع الإنساني وطابع الأشياء، ولتكون مؤهلة لتفسير ظراه الكون، والنظر والاعتبار بحالات الأمور وعواقبها وموازين النهوض والسقوط والتداول الحضاري (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ ) وقال سبحانه (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) فالله سبحانه أوضح هذه السنن إيما إيضاح وأراد منا أن نتعلم على السنن ونتفقه فيه لكي نحسن الاستفادة منه في حياتنا وأمورنا وتقدمنا وحضارتنا، ولا جرم ــ عباد الله ــ أن هدايات القرآن وقواعد السنة قد تضمنت خلاصة السنن الربانية التي تحكم الحياة والكون وتربط الأسباب بالمسببات والمقدمات بالنتائج في سياقات وأطرٍ دقيقة محكمة تظهر في حديث القرآن والسنة عن أطيار الأولين ومصارع المكذبين وأحوال الأمم والممالك والنصر والهزيمة حديثاً مبنياً على هذه السنن الإلهية القاطعة الصارمة التي لا تستثني أحداً، والبشرية دائماً في حاجة شديدة إلى دوام التذكير بهذه السنن والتنبيه عليها كما قال سبحانه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) . وأضاف:أمة الإسلام: ومن سنن الله الثابته المطردة سننة المتعلقة بنصر دينة وشريعته وأوليائة وحزبة، وسنن نزول العذاب وإهلاك الأمم وغيرها، فهذه سنن خاصة بينها ربنا سبحانه أحسن بيان، حيث جاء التأكيد على أن التوحيد والعمل الصالح هو السبيل الأوحد لنصر الأمة وتمكينها في الأرض مع الأعداد والقدرة المادية (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ) لذا أعدوا لهم ما استطعتم من قوة، وبين القرآن أن أعداء الأمة لهم وقت وأجل معين فإذا جاء أجلهم نزل بهم العذاب، وقد يشك البعض في ذلك لما يرى من تطاول أمم الكفر واستعلائهم وما عملوا أن ذلك يجري وفق سنن ربانية وأن سنة الله في إهلاك الظالمين والطغاة قد تطول لما تتحقق على أرض الواقع، وقد تذهب أجيال وتأتي أجيال ثم تقع سنة الله قي الظالمين والطغاة فلا يستأخرون عنها ساعة ولا يستقدمون ودعوة المظلوم عباد الله: ومن أجل السنن الربانية قوله سبحانه (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) وقولة (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) وأن مخالفة الرسول e وعصيان أوامره أوسع أبواب الفشل والهزيمة والهلاك العام وظهور الفساد في البر والبحر، وأن الطف سنن الله وأدقها أن التغيير إلى الخير أو الشر لا يحصل إلا إذا ابتدأ به العبد نفسه كما قال سبحانه (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) فالبشر هم المؤولون ابتداءً عن الصلاح والإصلاح وهم المسؤولون كذلك عن الفساد والانحطاط، ومن أضخم السنن الربانية سنة المداولة بين الناس فيوماً رخاء ويوما شدة ويوما نصر ويوما هزيمة (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ) ومن آثار سنة المداولة هنا أن يظهر الخبيث والمنافق ويتميز عن المؤمن الصادق وتلك سنة التمييز العجيبة (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ ) وجاء البيان المشرف في القرآن والسنة مؤكداً على أن فشو الظلم وغياب العدل وانتشار المعاصي والذنوب والمجاهرة بها والترف والإسراف من أعظم أسباب تغير الأوحوال وزوال النعم وفجاءة النقم ونقص العافية والأرزاق وقسوة القلوب وتناكر النفوس وتباغضها وإغره وتسليط بعض السلوك على بعض بالقول والفعل قال سبحانه (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ ) قال ابن جرير: أويهلكهم بتخوف وذلك بنقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتى يهلك جميعهم، وقال (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ) وقال (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً .. ) وقال (فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء ) وقال (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ) وثبت عنه (إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهمالضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) ومن سنن الله العظيمة الأثر سنة المدافعه أن يدفع الله الشر بالخير والضلال بالهدى والمفسدين بالمصلحين وهي من أعظم السنن التي تحفظ نظام الكون وتحفظ الناس من الفساد والهلاك العام (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) . وأردف قائلا: أيها المسلمون:السنن الربانية المثبوتة في الكون والحياة كثيرة جداً ومتنوعة ولقد تحدث القرآن في سور كثيرة عنها وأفاض فيها بأسلوبه المعهود حلاوةً وطلاوةً وتأصيلاً، كما في سورة آل عمران والأعراف والأنفال والتوبة وهود وإبراهيم والإسراء والكهف والنور وغافر وغيرها كثيراً جداً،وتكاثرت النماذج والأمثال النبوية في السنة المشرفة والسيرة العطرة، فدونكم يا مسلمون كلام الله وسنة نبيه وسيرته المباركة ففيها الهدي التام والنور التام والكمال والجلال والجمال،والموفقُ السعيد من وفقه الله وبصره، وزكى قلبه ونوره، والمخذول المحروم من أعرض عن هدي ربه واتبع هواه، ونسي الله وانفطرت عليه أموره، وخبط في هذه الحياة خبط عشواء فلم يبال الله به في أي أوديتها هلك ) أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ ! ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ