×
محافظة المنطقة الشرقية

جامعة الطائف تعلن توفر وظائف أكاديمية شاغرة للرجال والنساء

صورة الخبر

في 14 إبريل 1943، داخل مخيم «ساكسينهاوزن»، شمال برلين، كانت ليلة ربيعية صافية، السماءُ تبدو أقرب والنجوم منثورة على مدّ البصر، كُل شئ يُوحى بجلسة تأمل، إلا أن الرياح لا تسير دائمًا بما تشتهيه السفن، خلال ثوانٍ معدودة أطلق أحد الجنود في دوريّة الحراسة رصاصة أصابت رأس أحد الأسرى المُحتجزين، يُدعى «ياكوف جوجاشفيلي»، الابن الأكبر للزعيم، جوزيف ستالين. وفيما بعد، لم يصدق الروس أن ابن ستالين كان في الأسر الألماني، آمن البعض بأنه فرّ إلى ايطاليا، الولايات المتحدة، وربمّا كندا، افترضوا جميع الفرضيات حتى لا يصدّقوا حقيقة ما حدث، ولكن بالعودة إلى أصل القصة، يبدو الأمر منطقيًا. «أنا لا أعرف لماذا يصبح جوجاشفيلي ضابطًا؟، لقد كان شخصًا مسالمًا لينًا، أخرق قليلاً، هادئ، لكنهُ في داخله صلبًا وملتزمًا، لم يكن لديه شيئًا مشتركًا مع والده ماعدا عيناه القوقازيتان اللوزيتان»، هكذا دونّت شقيقة «جوجاشفيلي» شهادتها عن شقيقها غير الشقيق. ولدَ « جوجاشفيلي»، الابن الأكبر لستالين، عام 1908، كثمرة لزواج والده الأول من «خيّاطة» جورجيّة الأصل، رافقت ستالين في بداية حياته، لكن بعد فترة توفيت الأم إثر مرض أعياها، بينما كان «جوجاشفيلي» يبلغ من العمر 8 أشهر فقط. شبّ «جوجاشفيلي» في كنف والده، وكان يرى أن الزعيم الروسي «يمتهن الثورة»، و لم يكُن يتحمل ضغط والده، ففي مرحلة الثانوية، انتقل مع زميلته في الدراسة، ليسكُنا بعيدًا عن الأهل. عندّما اكتشف «ستالين» ذلك، اعتبرها فضيحة لأن ابنه البكر، ذو  الثمانية عشر عامًا، اختطف مسدس في المطبخ من شقته في الكرملين، في إحدى الليالي وحاول أن يقتل نفسه مصوبًا نحو القلب مباشرةً، لكن الرصاصة لم تصب قلبه، وبعد أن قضى 3 أشهر في المستشفى، فرّ إلى لينينجراد، حيثُ بقي مع أقارب لزوجة أبيه، وفقًا لمجلة «شبيجل». وفي إبريل 1928، كتبَ ستالين لزوجته: «أخبري جوجاشفيلي أني أظن أنه يتصرف مثل قاطع طريق، لم يُعد هناك شئ يجمعني بشخص مثله، ولم يعُد هناك أي علاقة تجمعني به، دعيه يعيش حيثما يريد ومع من يشاء، ج. ستالين». قضى « جوجاشفيلي» فترة دراسته بعيدًا، وبعد المرحلة الثانوية، التحق بكلية العمال، وفي عُمر  الثالثة والعشرين، سجَّل في معهد (جيرزينسكي) للمواصلات، حتى حصل على الشهادة في عام 1935، ثم قضى عامًا كمهندس في مصنع للسيارات في موسكو. في عام 1937، تطوّع « جوحاشفيلي» في الجيش، هربًا من والده واسمهُ الثالث الذى لم يختاره أبدًا، بلّ ورفض أن يكون ابن ستالين المُدلل، وبالتالي يحظى على كل مميزات سلطة ونفوذ والده. وبحلول عام 1940، أصبح « جوجاشفيلي» ضابطًا، وفي السنة التالية تلقى شهادة من الأكاديمية المدفعية، وعُين في أول منصب رسمي لهُ كقائد في فوج الهاون الـ 14، وكان يظهر مرتديًا لباس الجيش الأحمر، بياقة ذات رقع وبدون كتافيات، وكذلك حزام جلدي ملتف حول صدره و كتفه، فيما يبدو فمه رقيقًا وعيناه كذلك، كُل ذلك كان أمرًا هادئًا قبل أن تدق الحرب أبواب البلاد. «اذهب وقاتل»، هكذا أخبر ستالين ولده عام 1941، ليجد « جوجاشفيلي» نفسه داخل حرب، ليس لهُ فيها ناقة ولا جمل، كان الجيش في حالة فوضى، حيثُ أرسل الجنود السوفييت ومن بينهم « جوجاشفيلي» إلى جبهة غير مُجهزة، ففى أول 3 أسابيع، قُتل أكثر من مليون جندي من الجيش الأحمر«الروس- السوفييت». كانت الأجواء عاصفة، لم يستسلم حينها « جوجاشفيلي»، بلّ تمسك بحبال الأمل، حتى دوّن الضابط المُشرف على كتيبتهُ «لديهِ شجاعة خاصة»، كمّا أوصى به كيّ يحصل على أوسمة شرف، برفقة 50 جنديًا آخر، فيما هرب الجنود بعد ذلك، وظلّ «جوجاشفيلي» برفقة ضابط آخر، في محاولة للهرب. وأثناء فترة هرب « جوجاشفيلي»، حاول ضباط المخابرات الألمانية البحث عنهُ، لكنهم لم يجدوه، ومع استمرار المحاولة، وجدوه كمّا سجل الضابط المُرافق في مذكراته: «عندما كانوا محاصرين، أصابهم الرعب لأن الجميع تبعثروا في اتجاهات مختلفة، لم يكن معنا خرائط مطلقا في وحدتنا، كل شيء كان منظماً على نحو هزيل ومهمل، لم يكن الفوج مجهزاً للحرب على الإطلاق». وحين وصلت الأخبار لستالين، اضطرب كثيرًا، لكنه آمن بأن «جوجاشفيلي» استسلم عمدًا للألمان، للانتقام من والده، الزعيم الروسي، وعندّما أراد الألمان مبادلة «جوجاشفيلي» ببعض من أتباعهم، رفض ستالين ذلك قائلاً: «لا أستبدل المارشالات بالضباط الصغار». يقول المارشال، جورجي جوكوف، الفائز في معركة برلين، إنه حينما سأل القائد السوفيتي ستالين عن ولده، صمت لثوانٍ ثم أجاب: «ياكوف لن يهرب من الأسر، الفاشيين سيقتلونه». رُبما بدا ستالين صلبًا من الخارج، ولكنهُ تألم لمصير ابنه، وفقًا لشهادة «جوكوف»، حيث كان يعلم حينها أن ابنه يتنّقل عبر المخيمات الألمانية، من هامبورج  قبل أن يرسل بعد ذلك شرقًا إلى مخيم «ساكسينهاوزن». في يوم 14 أبريل 1943، قفز « جوجاشفيلي» من السكنة 3 في المخيم الخاص (أ)، ووصل إلى السياج المُحيط بالمعتقل، وحين طلب الحراس منه الابتعاد، صرخ فيهم قائلاً: «أطلقوا النار»، وبالفعل حدث ذلك. كشفَ تقرير نائب وزير الداخلية السوفييتي، إيفان سيروف، في عام 1946، أن «جوجاشفيلي» كان يستهتر بإدارة المعتقل ورفض أن يتحدث لأحد، وعندما تلقى ستالين برقية من إدارة الجيش السوفيتي في ألمانيا في عام 1945 التي تخبره بما وصلت إليه عمليات البحث عن ابنه لم يرُد.