×
محافظة المنطقة الشرقية

النفط الصخري يدفع كلفته نزولاً إلى 22 دولاراً.. والأسواق العالمية أمام «نبوءة» الخبراء

صورة الخبر

القاهرة: الخليج يحكي دكان تاجر الكتب المصري محمد صادق، الكائن في منطقة باب الشعرية وسط القاهرة، تاريخ مصر وما دار فيها من أحداث اجتماعية وسياسية وثقافية كبرى، على مدار أكثر من قرن من الزمان، ما يجعله يستحق عن جدارة لقب شيخ الوراقين في مصر. لا يشبه دكان صادق غيره من الدكاكين الأخرى المنتشرة بطول الشارع الكبير الذي يفضي في نهايته إلى ميدان الأوبرا القديم، التي تحول كثير منها إلى مطاعم تقدم مختلف أنواع المأكولات الشعبية، لكنه ظل محتفظاً بصورته القديمة التي ورثها عن أسرته، التي احترفت منذ عقود طويلة مهنة تجارة الكتب، تلك المهنة التي ظلت رائجة في مصر على مدار عقود من الزمان، قبل أن توجه إليها شبكة الإنترنت الضربة القاضية خلال العقدين الماضيين، بسبب ما وفرته للباحثين من مواد في مختلف ألوان المعرفة. ويرجع كثير من المؤرخين ظهور دكاكين بيع الكتب في مصر إلى بدايات الدولة العباسية، حيث انتشرت من القاهرة إلى مختلف البلدان في العالم الإسلامي، حتى حفلت كل مدينة بعدد وافر منها. ويقول المؤرخ اليعقوبي عن ذلك: كان في مصر على أيام الطولونيين والإخشيديين، سوق عظيمة للوراقين، تعرض فيها الكتب للبيع، وأحياناً تدور في دكاكينها المناظرات والمحاورات العلمية والفكرية، كما تعرض المقريزي في مواضع كثيرة من كتابه الشهير المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، الذي يعد من أهم الكتب في تاريخ مصر وطبوغرافية عاصمتها في العصر الإسلامي؛ للحديث عن هذه السوق التي كان يجتمع فيها أهل العلم والأدب والفكر، ومن يرغب في شراء الكتب أو بيعها، مشيراً إلى أن هؤلاء الباعة لم يكونوا مجرد تجار ينشدون الربح أو المكسب المادي وإنما كانوا، في أغلب الأحيان، أدباء ذوي ثقافة واسعة عالية. يحفظ محمد صادق تاريخ تلك المهنة التي ورثها عن أسرته عن ظهر قلب، ويعرف ما حفلت به أسماء الوراقين في ذلك الزمان الغابر، من أسماء لشخصيات لامعة مثل ابن النديم صاحب كتاب الفهرست، والشيخ عبدالملك الفشني، في خان الخليلي، ذلك الرجل الذي وصفه السندوبي في تقديم كتاب المقابسات لأبي حيان التوحيدي، بقوله: كان رجلاً على علم ومعرفة وسعة اطلاع، وكان يدلني بصدق وإخلاص على ما يلزمني من الكتب القيمة والأسفار النافعة، ويذاكرني في المعارف العلمية والأدبية، وينبه ذهني إلى حقائق الأشياء ودقائق الأمور. يصل التاريخ المدون لعمل عائلة صادق في تلك المهنة لأكثر من قرن من الزمان، وهو ينظر إليه بفخر شديد، باعتبارها مهنة ترقى إلى درجة الرسالة، ويقول: لا نستهدف من هذه المهنة الربح فقط، وإنما نحن نشبه كثيرا حراس التاريخ، هؤلاء الذين يضطلعون بمهمة سامية تتمثل في حماية التاريخ ونقل ما توصل إليه الآباء والأجداد من معارف في مختلف ألوان العلوم إلى الأجيال الجديدة. يفخر محمد صادق بتاريخ أسرته في تلك المهنة التي احترفها جده الأكبر قبل ما يزيد على 100 عام، ويقول: كان رحمه الله أحد الوراقين الذين اشتغلوا بتلك المهنة قبل قرن من الزمان، وكان يمتلك تكية قديمة لا تزال آثارها باقية حتى اليوم بشارع الخليج المصري (بورسعيد حاليا)، كانت تضم كل ما يتعلق بالورق، من كتب قديمة ووثائق ومخطوطات وصور، وورث أبي بعضاً من هذا التراث، الذي انتقل إليّ منذ ما يزيد على 30 عاما، وهو الوقت الذي بدأت أحترف فيه تلك المهنة، وأفتش في كل مكان عن كل الأوراق والصور والكتب القديمة، لأضيفها إلى تلك الثروة التي لا تقدر بثمن. بدأ اهتمام صادق بالأوراق والكتب القديمة، وعمره حسبما يقول لا يزيد على 10 سنوات، فمنذ هذا العمر وهو يساعد والده في عمله، وهو يقول عن ذلك: تعلمت قيمة تلك الأوراق والكتب القديمة، وتدربت على فنون تسجيلها والحفاظ عليها وصيانتها، قبل أن يسند إليّ أبي المهمة كاملة عندما بلغت العشرين من عمري، فأدخلت إليها طرقاً جديدة في الحفظ وفنون الأرشفة، بحيث تكون أكثر ترتيباً وتنظيمًا، سواء على مستوى الكتب التي رحت أقوم بتصنيفها حسب الموضوعات، إلى جانب الصحف والمجلات القديمة حسب تاريخ الإصدار، قبل أن أضيف مع الوقت جزءًا خاصاً بتاريخ السينما في مصر، وآخر يرصد تاريخ الأدب والثقافة. يحتفظ محمد صادق في دكانه بمئات من أفيشات الأفلام، وآلاف من الصور التي تدون تاريخ السينما في مصر، والذي يزيد اليوم على 100 عام، بدءًا من أول فيلم روائي مصري تم عرضه في العام 1917 من إنتاج الشركة السينمائية الإيطالية- المصرية، التي أنتجت فيلمين هماالشرف البدوي والأزهار القاتلة بطولة الممثل المخرج المصري الراحل محمد كريم، مرورا بمئات من الأفيشات والصور التي تحكي تاريخ السينما المصرية عبر أكثر من 4 آلاف فيلم، تمثل في مجموعها الرصيد الباقي للسينما العربية. على مدار سنوات، شارك محمد صادق في الاحتفالات التي تنظمها السفارة الإماراتية بالقاهرة باليوم الوطني للدولة، وهو يقول عن ذلك: شاركت بما أملكه من صحف قديمة، تروي تجربة الاتحاد بينالإمارات السبع، وما بذله المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من جهد كبير في إعلان الاتحاد، ولديّ من الكتب والوثائق والصحف القديمة ما يروي تاريخ الدولة، وكيف ناضل الآباء المؤسسون من أجل حماية الأرض والدفاع عنها، حتى إعلان الدولة. ينظر محمد صادق بامتنان كبير لما قدمه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لمصر، ويثمن كثيراً مكرمته بترميم المجمع العلمي بعد احتراقه أثناء أحداث الثورة، ومن بعده متحف الفن الإسلامي، ويقول إنه يطمح في أن تسمح له الظروف بأن يرد جزءًا من هذا الجميل، بتنظيم معرض كبير في الشارقة، يضم ما يملكه من صحف ووثائق قديمة تروي تاريخ الإمارات على مر العصور.