سبق أن صرح حيدر العبادي رئيس وزراء العراق أن «العراق ليس خطراً على جيرانه وفق الدستور الذي نلتزم به ونحترمه والذي يمنع أن تكون أراضيه منطلقاً للهجوم على دول الجوار أو الإساءة لها، وأن العراق ليس تهديداً، وقوته قوة للمنطقة ولجميع الدول التي تحارب الإرهاب» ذلك تصريح تنسفه المؤشرات التي تؤكد أن العراق مقدم على فوضى مهددة للمنطقة كلها، وعلى انفلات لا تضبطه نصوص دستورية أو حتى حكومة مركزية ضعيفة كحكومة العبادي، بل إن المتوقع أن تحول إيران «العراق» إلى محطتها الترانزيتية التي تصدر منها الإرهاب للمنطقة، في حين ستظهر نفسها على أنها الدولة الملتزمة بالقوانين الدولية لتواجه الحملة التي يشنها المجتمع الدولي عليها. وعلى مملكة البحرين ألا تجامل أي دولة أخرى على حساب أمنها، وكما واجهت البحرين الصغيرة في حجمها الكبيرة في مكانتها قوة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية ودولة طاغية كإيران وتصدت لهما وألجمتهما، عليها اليوم ألا تجامل أي دولة عربية تحولت لبؤرة إيرانية لتدريب وتهريب السلاح لتقويض أمننا الوطني، والعراق أبرز الأمثلة التي يجب أن تواجهها البحرين ومعها دول الخليج وبحزم. تصريح العبادي تنسفه الوقائع أولاً كما أكد بيان وزارة الداخلية البحرينية الصادر أمس أن الخلية التي قبض عليها تدرب بعض أفرادها في العراق، وتنسفه صور مطلوبين أمنيين بحرينيين يحملون السلاح اليوم ويقاتلون ضمن تنظيمات عراقية مسلحة ويصورون تدريباتهم وتحركاتهم على أرضها ويعرضونها علناً، وتنسفه وقائع تمت فيها مصادرة أسلحة ومتفجرات قادمة من العراق، كل تلك الأحداث تمسح تصريح العبادي بالأرض. ليس هذا فحسب بل التهديدات المباشرة ليست للبحرين بل للمملكة العربية السعودية وللكويت وتنطلق جميعها من الأراضي العراقية، يطلقها قادة «الجحش الشعبي» كالمدعو الخزعلي وغيره، وهي تصريحات تصدر من العراق علناً أمام سمع وبصر الحكومة العراقية وبوجود النص الدستوري الذي تحجج به العبادي، فالمدعو الخزعلي زعيم عصابة «عصائب أهل الحق» قال بصريح العبارة وفي تصريح مرأي ومسموع إن «الحشد الشعبي» العراقي يفكر في التدخل في الخليج، حيث ذكر أن جزءاً كبيراً من تشكيلات فصائل المقاومة تعتقد أن واجبهم الثاني، مضافاً إلى واجب «الحشد الشعبي»، هو نصرة الشعب البحريني، ونصرة أهل الأحساء والقطيف في حالة تجاوز «العدو» مراحل أو «خطوطاً حمراء» كما هدد الحشد الشعبي الكويت واعتبرها نوري المالكي جزءاً من العراق!! الأمر إذاً أصبح مواجهة مباشرة تهيئ إيران أرضيتها، وهنا لا يجب أن يقف رد فعلنا عند استدعاء سفير العراق وتوجيه التوبيخ له، بل يجب على البحرين أن تتحرك دبلوماسياً على المستوى الخليجي وعلى المستوى العربي والإقليمي، لتكون المسألة العراقية على طاولة المباحثات ويتخذ بشأنها قرار جماعي يحمل العراق مسؤولية هذا الانفلات اللا مسؤول تجاه الأمن الخليجي والبحريني تحديداً داخل أراضيها قبل أن يستفحل الأمر. لن ننتظر من العراق أن يعي مدى حاجته للتعاون العربي والإقليمي الآن أكثر من السابق لمرحلة ما بعد داعش، فلن تنتهي مشاكل العراق الأمنية طالما وجدت إيران، وطالما وجدت هذه الحكومة الضعيفة التي تسمح لكل عراقي أن تكون له دولته الخاصة، عموماً ذلك شأنهم ولم ولن تتدخل البحرين في الشؤون المحلية لأي دولة، إنما لو كانت تلك الصراعات الداخلية أو الانقسام الطائفي أو الانفلات الأمني ستمس أمن البحرين أو أمن أي دولة خليجية فإن لنا موقفاً آخر. هذه العنتريات لا تخدم العراق أبداً ولا تخدم أي طائفة، فالجميع مكتوٍ بنار الإرهاب الذي تغذيه إيران لتستفيد منه قدر المستطاع، فإما أن تلملم الحكومة العراقية فوضاها بعيداً عما يمس أمننا أو يجب أن يكون للخليج موقف آخر معها، إضافة لموقف تركي وموقف عربي لا بد أن يتشكل من خلال تحركنا الدبلوماسي لمحور أردني مصري، فلا ننتظر حتى تقع الفأس في الرأس. وعلى البحرين أن تستعد لهذه المرحلة، مرحلة سيرمي فيها بلد تعم فيه الفوضى كالعراق مشاكله للخارج، وإيران التي فشلت بالمساس بأمننا بشكل مباشر، ستجد في الفوضى العراقية فيما بعد داعش مدخلاً مناسباً لها للتدخل في شؤوننا من خلال العصابات العراقية المسماة حشداً شعبياً، وعلى هذا الأساس وإضافة للتحركات الدبلوماسية كذلك لا يجب أن تتحرك مؤسساتنا لتعمل كل واحدة منها بمعزل عن الأخرى، بل على كافة أجهزة الدولة أن تتصدى لمواجهة هذا الخطر المحتمل، فلا يجب أن تجهد الداخلية في القبض على الخلايا المدربة من العراق وتجهد في ضبط المتفجرات المهربة من العراق، في حين تفتح مؤسسة وطنية كالناقلة الوطنية «طيران الخليج» خط طيران مباشراً مع العراق، وتفتح مؤسسات للنقل البري خطاً مباشراً مع العراق، لتضيف أعباء جديدة مرهقة على رجال الأمن لسنا في حاجة لها. كما لا يجب أن تجامل وزارة الإعلام الصحف التي تتجاهل عمداً أو تقلل من خطر الميليشيات العراقية وتصريحاتهم المضادة للبحرين، جميع مؤسسات الدولة «الخارجية والداخلية والإعلام والمواصلات وغيرها» مسؤولة عن تحجيم خطر تلك الميليشيات، فالحفاظ على الأمن مسؤولية تضامنية في الدولة ككل لا مسؤولية وزارة الداخلية فحسب.