×
محافظة المدينة المنورة

عوالق رملية تجتاح المدينة وتحجب الرؤية

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي يطوى اليوم فصل التطورات المخيفة التي ألمت بالعلاقات الباكستانية - الاميركية في 2011. والحوار الاستراتيجي بين البلدين استئنف. والكونغرس الاميركي مشغول بالصراع في سورية وأوكرانيا، وعين الطبقة الحاكمة في باكستان على المؤسسة العسكرية في البلاد ونتائج الانتخابات في كل من أفغانستان والهند. وثمة عدد كبير من التغيرات في المنطقة، منها العلاقة بين العسكر والمدنيين في باكستان، والانتخابات في الهند وافغانستان، والانسحاب المزمع للقوات الاميركية من أفغانستان واحتمال أن يفضي إلى تغيير في السياسة الاميركية إزاء باكستان. وأبرز ما يستدعي الاهتمام هو نتائج الانتخابات الرئاسية الأفغانية في الخامس من نيسان (أبريل)، وقرار كابول حول الاتفاق الأمني مع اميركا، وإمكان شن الجيش الباكستاني عملية واسعة النطاق في شمال وزيرستان. وبغض النظر عمن يفوز في الانتخابات الأفغانية، فإن النتيجة ستخلف اثراً كبيراً في العلاقة الباكستانية - الاميركية. كل المرشحين البارزين أعلنوا في حملاتهم الانتخابية عزمهم على توقيع الاتفاق الأمني مع واشنطن. وإذا وقع الرئيس الأفغاني الجديد الاتفاق مباشرة ومن غير تأجيل، أبقت واشنطن قوة عسكرية صغيرة في هذا البلد وانصرفت الى التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، وهو أمر تتوقعه باكستان وتعلن في مجالس خاصة موافقتها عليه. ولكن إذا برزت مشكلات في نتائج الانتخابات او قرر الرئيس الجديد تأجيل التوقيع على الاتفاق إلى نهاية الصيف أو ما بعد ذلك، سيصعب هذا القرار على الولايات المتحدة وجيشها إبقاء قوة عسكرية في أفغانستان. ويرى مراقبون وخبراء ان خياراً اقرب الى الخيار صفر (سحب كل القوات الغربية) ممكن في أفغانستان، يحرر الولايات المتحدة من الاعتماد على باكستان في الانسحاب والمواصلات، فيسعها أن تكون اكثر حزماً مع إسلام آباد. ويتخيل هؤلاء أن اميركا بقوة قليلة العدد في أفغانستان ستكون بعيدة من المخاطر ويسعها التعاون مع الحكومة الأفغانية أو المبادرة آحادياً الى استهداف المسلحين في المنطقة القبلية الواقعة بين باكستان وأفغانستان. لكن الواقع أكثر تعقيداً. فالخيار صفر سيطلق العنان لاتجاهين متضادين. فلا أحد مقتنع بأن قوة أميركية صغيرة يمكنها ضمان بقاء النظام السياسي في أفغانستان، وسحب معدات التدريب ومكافحة الإرهاب يقضي بعدم الاستقرار السياسي، فتتعاظم احتمالات شن باكستان عملية متوسطة او بعيدة المدى والتدخل ما وراء خط ديوراند الفاصل بين البلدين. هذا وحده سيؤدي إلى توتر في العلاقات الاميركية - الباكستانية. وما يعرف بـ «الخيار صفر» يُبرز مخاطر قطيعة العلاقات الباكستانية - الاميركية. فالانسحاب الاميركي من أفغانستان يقيد يد اميركا في مكافحة الجماعات والشبكات المسلحة النشطة ما بين باكستان وأفغانستان. ولا شك في ان تعاون باكستان الانتقائي مع القوات الاميركية الصغيرة العدد في أفغانستان هو أفضل من لا شيء على الإطلاق. وفوائد التعاون الضيق مع إسلام آباد في مكافحة الجماعات المناهضة لباكستان مثل حركة «طالبان باكستان» له فوائده. فيسع الباكستانيين تذوق طعم الأمن والاستقرار في بلادهم، وهو هدف اميركي بارز. وما قد يرسي انعطافاً في السياسة الاميركية ازاء باكستان هو العملية التي كثر الحديث عنها للجيش الباكستاني في شمال وزيرستان. فالحكومة الباكستانية تبدو قريبة من شن عملية في الحزام القبلي المحاذي لأفغانستان. غالبية المعلقين قالوا إن العملية المرتقبة ستكون ضد اهداف «طالبانية» في المناطق القبلية، وشمال وزيرستان. فطالبان منظمة ضد الدولة، على رغم تفاوض الحكومة معها. ومثل هذه العملية لا يشذ عن النهج الباكستاني الحربي: فاوض عدوك لحشد دعم سياسي، ثم اعزله بواسطة اتفاقات مرحلية مع جماعات مشاغبة أخرى، هاجم بعملية سريعة وقوية لتحطيم عدوك ثم تراجع الى الخلف لتقويم الأجواء الجديدة. وتريد واشنطن ان تهاجم الحكومة الباكستانية شبكة حقاني في المنطقة القبلية، على رغم ان الشبكة هذه لم تبدِ استعدادها لمهاجمة المصالح الاميركية في الولايات المتحدة نفسها. ويوم كانت الولايات المتحدة ترابط في أفغانستان، كانت شبكة حقاني هي العدو الأول، وقيل إنها تستمد خططها المعقدة وأساليبها من صلاتها بحكومة باكستان. وأثبتت هذه الشبكة قدرتها على إلحاق خسائر فادحة في القوات الاميركية وقوات التحالف والقوات الأفغانية مجتمعة. وإثر تقليص عدد القوات الاميركية، تغيرت نظرة واشنطن إلى جماعة حقاني، وصارت تخشى قدرة هذه الشبكة على زعزعة استقرار الحكومة في أفغانستان وعلى مهاجمة أي قوة اميركية في هذا البلد. ويبدو ان الحكومة الباكستانية تستنكف عن قطع علاقاتها بشبكة حقاني حالياً، بخاصة أن أفغانستان مقبلة على فصل من عدم الاستقرار. وخلاصة القول إن شبكة حقاني إذا وقعت حرب أهلية قادرة على الحفاظ على المصالح الباكستانية في افغانستان. ويسع اميركا ان تضع باكستان تحت الرقابة ومحاسبتها اذا وقع اي هجوم كبير على المصالح والمؤسسات الاميركية في أفغانستان. من الجدير انتظار ما إذا كانت عملية وزيرستان ستستثني شبكة حقاني وتركز على حركة طالبان او ان هذه العملية التي طال الحديث عنها ستشمل شبكة حقاني حتى ولو إعلامياً بينما تهدف العملية إلى القضاء على العناصر المعادية لباكستان. لكن إسلام آباد لا يخفى عليها أنها قد تلعب بالنار إن تغاضت عن نشاط شبكة حقاني وخطط مهاجمة المصالح الاميركية. ويبدو ان إدارة أوباما تريد زيادة الدعم المالي للجيش الباكستاني إلى 295 مليون دولار سنوياً، وفي ضوء برنامج المساعدات الدولي الاميركي فإن هذا المبلغ كبير. وتقدمت اسلام آباد بطلب شراء فرقاطات أميركية «متقاعدة. ولكن ما مصير دعم التحالف الدولي المالي لباكستان- وقدره بليون دولار سنوياً- لمكافحة الارهاب؟ قد تتقلص قيمة هذا الدعم في ضوء منح المملكة العربية السعودية اسلام اباد بليوناً ونصف بليون. فتخسر جزءاً من احتياطاتها من العملة الأجنبية في منتصف 2015. الحوار حول مستقبل أموال الدعم المقدمة من التحالف هو رهن بما ستقوم به باكستان، اي إذا قررت شن عملية واسعة في شمال وزيرستان ام امتنعت.     * كبير مستشاري البنتاغون حول شؤون آسيا والمحيط الهادئ سابقاً، نائب مدير مركز ستيمسون لدراسات جنوب آسيا، عن «فورين بوليسي» الاميركية، 27/3/2014، إعداد جمال اسماعيل