22 عامًا قضاها في خدمة الدين الإسلامي بين توليه مسؤوليتي دار الإفتاء ومشيخة الأزهر، وخلالها أدى عمله دون خوف أو نفاق من أصغر مسؤول إلى أكبره في البلاد، حتى شهد له الكثير بمواقفه القوية التي سجلها التاريخ. وُلد الشيخ عبدالمجيد سليم في قرية ميت شهالة بمحافظة المنوفية في 13 أكتوبر 1882، وحفظ القرآن كاملًا في سن مبكر، إضافةً إلى تعلمه أحكام التجويد وأصول الفقه، حتى تمكن من الالتحاق بالأزهر الشريف والتتلمذ على يد الإمام محمد عبده. وحسب المنشور بموقع صحيفة «الراي» الكويتية أطلق زملاء «عبدالمجيد» عليه لقب «ابن سينا»، بسبب نبوغه وتفوقه داخل الأزهر الشريف، وأرجع آخرون أن من اسماه بذلك هو الإمام محمد عبده. وقبل حصول «عبدالمجيد» على درجة العالمية تم اختياره مدرسًا للفقه والأصول بالأزهر، كذلك عينه عاطف بركات باشا، ناظر مدرسة القضاء الشرعي، مدرسًا للفقه والأصول، وبها أخرج عدد كبير من رجال القضاء الشرعي حسب رواية «الراي». بهذه الخطوات الثابتة رشح مصطفى باشا النحاس، رئيس الوزراء، كلًا من عبدالمجيد سليم والشيخ المراغي لتولي منصبي الإفتاء ومشيخة الأزهر، ووجد صعوبة في تحديد المقعد الذي سيجلس عليه المرشحان. في النهاية اختار «النحاس» الشيخ المراغي ليتولى مشيخة الأزهر، أما «عبدالمجيد» أصبح مفتيًا للديار المصرية، وذلك بمباركة الملك فؤاد الأول. ومع تولى «عبدالمجيد» للإفتاء وقف في وجه الملك، بعد أن حاول مدير الخاصة الملكية، بإيعاز من «فؤاد الأول»، أن يستبدل بعض ممتلكاته العقارية الجدباء بأخرى خصبة من أملاك الأوقاف، وتلمس الحصول على فتوى ميسرة من الأزهر. حينها كان رد «عبدالمجيد» قاطعًا بإصدار فتوى تبطل الاستبدال، وبرر أنه «لا يجوز شرعًا لغير مصلحة الواقف وهي هنا مفقودة، بل إن الخسارة محققة فعلًا». مواقف «عبدالمجيد» ظلت ثابتة بتغير المسؤولين، وهو ما أثبته في ولاية الملك فاروق الأول، بعد أن تلقى سؤالًا عن حكم الشرع في «رجل يراقص النساء ويشرب الخمر». وجاء ذلك السؤال عقب حضور «فاروق الأول» حفلة صاخبة أقامتها إحدى الأميرات، ونشرت الصحف صورًا منها، حينها أدرك «عبدالمجيد» الغرض من طرح القضية، ليصدر فتوى مليئة بالإيحاءات تسببت في إحراج الملك، كونه هو المقصود منها بشكل غير مباشر. وحسب المنشور بمجلة «المصور» أصر الملك على الانتقام من «عبدالمجيد»، حينها دعا الديوان الملكي مفتي الديار المصرية لحضور صلاة الجمعة مع «فاروق الأول» بقصر عابدين، والذي كان محلًا للحفل الراقص. واستجاب «عبدالمجيد» للدعوة وتوجه إلى القصر، وجلس في المكان المخصص له، وبعد انتهاء الصلاة وقف كبار المصلين لمصافحة الملك قبل دخوله إلى الحديقة، ووقف مفتي الديار المصرية في مكانه استعدادًا للمصافحة الملكية. كانت العادة المتبعة في هذا الموقف هو أن يرفع الفرد يده قبل أن يصافحه الملك، وهو ما اتبعه كل الحضور باستثناء «عبدالمجيد»، والذي كسر هذا الأمر لشعوره بأن «فاروق الأول» سيترك يده ممدودة، وما توقعه حدث بالفعل. لم يكتف «عبدالمجيد» بذلك، بل استمر في هجومه على الملك، وقال أثناء توجه «فاروق الأول» إلى فرنسا بالباخرة المحروسة: «تقصير وتقتير هنا وتبذير وإسراف هناك»، حسب ما ذكره الرئيس الراحل محمد نجيب في كتابه «كنت رئيسًا لمصر». وقدم «عبدالمجيد» استقالته من دار الإفتاء بسبب تعيين الشيخ مصطفى عبدالرازق شيخًا للأزهر، لأنه ليس عضوًا في هيئة كبار العلماء، لكن قبلها وجه القصر الملكي الحكومة، برئاسة محمود باشا النقراشي، إلى تعديل القانون لإلغاء هذا الشرط. وفي أكتوبر 1950 تم تعيين «عبدالمجيد» شيخًا للأزهر، لكنه تقدم باستقالته في سبتمبر 1951، بسبب خفض ميزانية مشيخة الأزهر دون علمه، وعاد للمنصب من جديد في فبراير 1952، قبل أن يرحل مرة أخرى في سبتمبر من نفس العام.