مرة ثانية، وربما لن تكون الأخيرة، وكما كانت مجلة شعر اللبنانية، موضوع جدل وسجال وأخذ وردّ منذ صدور عددها الأول في شتاء 1957 في بيروت، فالمجلة التي قادت تيار الحداثة الشعرية في النصف الثاني من القرن العشرين هي في الواقع، وإن أمكن القول، مجلة سيرة ثلة من الكتاب اللبنانيين كانوا يجتمعون أسبوعياً في بيت يوسف الخال الشاعر العائد لتوه في 1956 من الولايات المتحدة الأمريكية، وفي رأسه إصدار شعر، وكان اللقاء الأسبوعي يسمى خميس شعر يلتئم فيه الخال، وأدونيس، والماغوط، وأنسي الحاج.. إضافة إلى أسماء أخرى يعرفها أرشيف المجلة، كما يعرفها الوسط الثقافي الشعري العربي جيداً.. لكن هذه الثلة، أو هذه المجموعة من الشعراء الحيويين سرعان ما دبّ الخلاف بينهم أو بين بعضهم، وسار كل واحد منهم في طريق، وكان صدى هذه الفرقة أو هذا الشتات الكثير الكثير من الكلام على المجلة ومؤسسها أو مؤسسيها وتمويلها والظلال السياسية المحيطة بصدورها وتوجهها الحداثي. إن الملاحظ هنا أن هذه المجموعة من الشعراء المؤسسين، والذين يمكن القول إنهم كانوا الوقود المعنوي للمجلة، قد ولدوا في سنوات متقاربة من ثلاثينات القرن العشرين: أدونيس 1930، فؤاد رفقة وهو أيضاً من شعراء المجلة ولد هو الآخر في العام 1930، محمد الماغوط 1934، أنسي الحاج 1937، باستثناء المؤسس أو الأب العرّاب يوسف الخال الذي ولد في العام 1917، أما شوقي أبي شقرا، وهو في الواقع سبب أو موضوع هذه المقالة فقد ولد في 1935، ويصدر له كتاب بعنوان شوقي أبي شقرا، يوم غد في بيروت، ويوقعه في اليوم نفسه في جامعة الحكمة في بيروت، والكتاب صادر عن دار نلسن. قرأنا في الأسبوع الماضي ثلاث حلقات طويلة من الكتاب تحدث فيها شوقي أبي شقرا عن جماعة مجلة شعر، في تلك الحلقات تلفتنا أولاً لغة أبي شقرا، فهو الذي ترأس القسم الثقافي في جريدة النهار مدة 30 عاماً، وهو صحفي عتيق، ولكنه لا يتحدث في هذه الفصول بلغة الصحفي بتاتاً، بل يأخذنا إلى لغة كلاسيكية محكمة، يقوم عصبها أو نسقها الداخلي على الشعر والصور الأدبية بأبجدية محكمة. يكشف شوقي أبي شقرا عن الخلافات والنزاعات التي كانت تشهدها شعر ومرة ثانية، بلغة أدبية رزينة حصيفة يكشف أبي شقرا عن الدواخل النفسية لكل من الخال وأدونيس، إلى جانب تطرقه الثقافي والإنساني والنفسي لكل من كتاب كانوا في ظلال شعر أو فيها: مثل عبدالوهاب البياتي، والروائي اللبناني يوسف حبشي الأشقر، وأمين معلوف، ومحمود درويش، وخالدة سعيد، وسلمى الخضراء الجيوسي.. وغير هؤلاء كثيرون. الكتاب الذي نتوقع له أن يثير ضجة.. وأين؟.. في بيروت عاصمة الجدل الثقافي الذي لا ينام.. استعاد تاريخ موتى وتاريخ أحياء ممن مروا في أرض شعر المجلة، التي يبدو أنها لا تموت حتى وإن كانت قد ماتت؛ بمعنى توقفها عن الصدور في العام 1970.. العام الذي أخذت فيه الحداثة الشعرية العربية، وتحديداً قصيدة النثر، تقف على رجليها من دون مساعدة عكاكيز الخال وأبي شقرا وأدونيس. يوسف أبولوز