يستمتع الناس هذه الأيام بالأجواء الباردة والطقس الجميل.. الذي يسري في دواخلنا ويبعث الهدوء والراحة والاسترخاء.. يسود المنطقة طقس رائع ربيعي بالنسبة للمناطق الباردة، وبارد بالنسبة لنا نحن سكان المناطق الحارة.. الطريف أن الناس تشتكي من البرد والجو الذي يكسر العظام كما تقول إحدى قريباتي، رغم أنه جو لطيف وممتع.. عندما ذهبت إليها وجدتها تلبس ملابس ثقيلة وتعيش فيلم البرد رغم أنه برد عادي أراحك من تشغيل التكييف، ولكنه لا يمنع من الخروج، بل يدفعك للخروج والاستمتاع بالبحر، وفتح نوافذ السيارة بدلاً من السجن الدائم داخلها في حضرة المكيف، وبالذات في عز الصيف عندما يصبح تكييف السيارة غير مؤثر.. هذا الانكماش غير المبرر لسكان المناطق الحارة، عندما يحل عليهم البرد الخفيف يعكس أن كل منطقة تعتاد ما اعتادت عليه، رغم أن البرد يلطف من الأجواء الإنسانية ويخفف من التوتر والغضب الذي تخلقه الأجواء الحارة، وينعكس سلباً على سكانها خاصة عندما تصل الحرارة إلى درجات مرتفعة تتجاوز الخمسين.. ويصبح التواجد خارج المنزل أو مكان العمل مشقة وعذاباً، خاصة إذا تعطلت في الزحام ستصل إلى المنزل أو العمل متوتراً عصبياً، قد تصطدم بأول شخص تقابله.. لكن في البرد يختلف الأمر حيث تجد الناس أكثر هدوءاً، وأكثر رقة وتعاملاً أفضل مع الآخر.. ومع ذلك وفي ظل التغيير المعتاد كل عام، يأنس البعض إلى ما اعتادوا عليه من أجواء حارة أو متوسطة الحرارة، لأنهم تناغموا مع ذلك الجو الرطب والمرعب.. والذي وإن نزع سعادتهم في لحظتها إلا أنهم يحنّون إليه، ويتناغمون معه ويشكّلون حياتهم من خلاله.. وهم لا يختلفون هنا عن الآخرين من دول أخرى تتعاكس معهم، وبالذات الباردة التي تهبط الحرارة فيها إلى درجة الصقيع، وتحاصرهم الثلوج، والذين يموتون في فصل الصيف عندما ترتفع درجة الحرارة، وهم الذين تعودوا على البرد القارس.. والغريب أن درجة الحرارة التي تقتلهم نعيش نحن في أجوائها، ونخرج من منازلنا، ونمارس أعمالنا، وكأنها الحرارة الطبيعية وهي كذلك.. بينما هم لا يتحملون هذه الحرارة المرتفعة، ويغادرون منازلهم، وبعضهم من كبار السن يموتون متأثرين بارتفاع درجة الحرارة القاتلة! من اعتاد البرد تقتله الحرارة، ومن اعتاد الحرارة المرتفعة يقتله البرد المعتدل.. وهذا يعني أنه ليس هناك سعداء من الجانبين.. الدكتور بارترام كبير المحاضرين في قسم علم الاجتماع بجامعة ليستر في إنجلترا.. توصل في دراسة نشرها إلى أن عشاق الشمس الذين يتركون شمال أوروبا بحثاً عن أجواء أكثر دفئاً، ربما أنهم أقل سعادة من أولئك الذين بقوا في بلدانهم.. وأظهرت عينة شملت مهاجرين من بلجيكا، وسويسرا، وهولندا، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا انتقلوا للعيش في دول مطلة على البحر المتوسط، أنهم يشعرون بقدر أقل من الرضا عن حياتهم، مقارنة مع عينة أكبر يعيشون في الدول الشمالية.. وقال الدكتور بارترام: إن المهاجرين أصبح لهم دخل مالي أكبر من المتوسط في الدول الجديدة التي انتقلوا إليها، وكان يفترض أن يسعدهم، ولكن ما حدث هو العكس، ربما لأن الهجرة في حد ذاتها يمكن أن تكون مدمرة لأبعاد أخرى في حياة الناس، مثل الروابط الاجتماعية، والشعور بالانتماء، وربما تكون لها عواقب سيئة على سعادتهم.. ولذلك فإن البحث عن الأجواء المشمسة لا يجلب السعادة..