أكبر مصرف في إيطاليا من حيث الأصول، أي بنك يونيكريديت يسعى إلى استعادة الثقة من خلال عملية بيع للأسهم بقيمة 13 مليار يورو. ويأمل كثيرون في أن الطرح الناجح سوف يرفع القطاع المصرفي المتعثر، لكنهم يخشون من أن مشكلة القروض المعدومة من المرجح أن تستمر.جان بيير موستييه، الرئيس التنفيذي لبنك يونيكريدت، طاف العالم في الشهرين الماضيين في سعيه لإقناع المستثمرين بشراء أسهم جديدة بقيمة 13 مليار يورو – وهو اختبار كبير للثقة، ليس لأكبر مصرف في إيطاليا فحسب، بل أيضا للقطاع المصرفي المتعثر في البلاد. من خلال قراراه ببيع طائرة المصرف كجزء من جهود لخفض التكاليف لتعزيز قاعدة رأسماله الضعيفة، فإن ميركو بيانشي، رئيس قسم المالية النحيل البالغ من العمر 56 عاما، أرسل إشارة قوية بأن بنك يونيكريدت يراقب كل قرش. في اجتماعات لندن، خرجوا مباشرة من محطة مترو الأنفاق، حيث كان موستييه يحمل حقيبة صغيرة، كما يقول الناس الذين التقوا به. وفي الولايات المتحدة، رفضوا الذهاب إلى المطاعم المكلفة، في الوقت الذي كانوا يتنقلون فيه فيه من ساحل إلى ساحل، بدلا من ذلك كانوا يأكلون أثناء السفر بالطائرة، لتوفير الوقت والمال.هذه الصورة الضعيفة التي نقلها أكبر مصرفي في إيطاليا، سواء عن قصد أو غير قصد، تتناقض بشكل صارخ مع صورة المصارف في البلاد، وما يشاع من أنها ترفل في نعيم البذخ. خلال العام الماضي، كاد القطاع المصرفي الإيطالي أن يقع في أزمة تؤثر في سلامة النظام المالي بأكمله، وامتلأ بالقروض المعدومة، وأرهق من قبل الكثير من المؤسسات المالية التي توفر وظائف مجزية للمصرفيين دون جهد يذكر، وتعيينات في مجلس الإدارة.في الوقت الذي أصدر فيه بنك يونيكريدت أسهم الحقوق الوفير - بسعر منخفض حاد بنسبة 38 في المائة مقارنة بسعر إصدار أسهم الحقوق السابق النظري - قال مصرفيون في التكتل الضامن الاكتتاب إنهم واثقون بأنه سيكون ناجحا. السبب هو أن نجاح الإصدار مهم تماما للمصرف. إصدار أسهم الحقوق اكتسب جودة سحرية بين مصارف إيطاليا المتداعية. ويأملون في المصرف من أن ذلك سيحدث انقلابا في الانهيار الذي شهد تراجع أسهم تلك المصارف على مدى الأشهر الـ 18 الماضية. إلى جانب المخاوف بشأن الربحية والحوكمة، يخشى المستثمرون من جبل القروض المشكوك فيها في الصناعة بقيمة 360 مليار يورو، منها 200 مليار يورو عجز أصحابها عن السداد.الطرح يأتي في لحظة مملوءة بالجيشان. تنفيذ مرسوم حكومي - تخصيص 20 مليار يورو لإنقاذ عدد من المصارف متوسطة الحجم، بما في ذلك بنك مونتي دي باشي دي سيينا، أقدم بنك في العالم - لا يزال غير مؤكد. إيطاليا تجري محادثات مع المفوضية الأوروبية، ولا يستبعد المصرفيون الاحتمال أن المنظمين يمكن أن يفرضوا شروطا قاسية مقابل السماح للدولة بإنقاذ البنك الإيطالي.في الوقت نفسه، فإن بنك إنتيسا سانباولو، منافس بنك يونيكريدت، يدرس عرضا لشراء شركة جينيرالي، أكبر شركة تأمين في إيطاليا. يقول كبار المصرفيين إن مثل هذه الصفقة من شأنها تغيير ديناميكيات التمويل الإيطالية.القضية الأوسع هي ما إذا كانت عملية جمع أموال ناجحة من قبل بنك يونيكريدت ستساعد في وضع حد للمخاوف بشأن أكبر مصرف في إيطاليا من حيث الأصول، وبالتالي القطاع المصرفي في إيطاليا.ألبيرتو جالو، مدير محفظة استثمارية في شركة ألجيبريس القائمة في لندن، يقول إن تدخل إيطاليا بمقدار 20 مليار يورو - والاعتراف بمشكلة القروض المعدومة - يمكن أن يكون أمرا إيجابيا للمصارف الكبيرة مثل يونيكريدت وإنتيسا سان باولو. على عكس البعض من البنك المنافسة الأصغر، هذه يمكن أن تستوعب عمليات شطب أكبر في قيم الأصول لأنها تستطيع جمع رأس المال.ويضيف: "ويبقى أن نرى ما إذا كنا سنرى عملية إعادة هيكلة جادة للمصارف الضعيفة. بغياب ذلك، المشكلات ستعود".القروض المعدومةالمصارف الإيطالية لطالما كانت مثقلة بمخزون كبير من القروض المعدومة، التي قيمتها بأسعار أعلى مما يرغب المستثمرون بالدفع مقابلها. لأعوام، قلة من الناس هي التي كانت تشكك بقدرة القطاع على تجاوز الصعاب إذا ما ترك لشأنه، أو تسامح الجمهور الظاهر للنظام المتصدع الذي يفتقر إلى الكفاءة.نيكولاس فيرون، الزميل في المؤسسة الفكرية بروجل في بروكسل، يقول: "هناك مستوى عال من القلق من أن إصلاح النظام ربما ينطوي على تغيير جذري في المجتمع الإيطالي الذي يشتمل على المصرفيين والصحافيين والسياسيين". ويجادل بضرورة إغلاق المصارف المتعثرة وعمليات الدمج القسري لإصلاح النظام.ما تغير هو النهج الرقابي. منذ عام 2014، أشرف البنك المركزي الأوروبي على المصارف الإيطالية، ويتخذ نهجا أكثر صرامة نحو القروض المعدومة من البنك المركزي الإيطالي، الذي كان يتولى هذه المهمة سابقا.قلق البنك المركزي الأوروبي مفهوم. إجمالي التعاملات في القروض غير المنتجة بلغ 356 مليار يورو، أو 17.7 في المائة من إجمالي القروض، وذلك وفقا لأحدث تقرير عن الاستقرار المالي. هذا الرقم يعادل ثلاثة أضعاف المبلغ الذي يعتبر طبيعيا في معظم الاقتصادات الأوروبية. مخزون إجمالي القروض المعروفة باسم سوفيرينزي - أسوأ نوع من القروض المتعثرة - يبقى بنحو 200 مليار يورو؛ باستثناء المخصصات التي اتخذتها المصارف نفسها فإن هذه المبالغ تصل إلى 85 مليار يورو.إصدار أسهم الحقوق من بنك يونيكريديت يهدف إلى السماح له بمواجهة تاريخه الأليم في الإقراض، يعود إلى عملية الاستحواذ المتغطرسة على بنك كابيتاليا في روما في عام 2006، والأزمة المالية، وحالات الركود اللاحقة في إيطاليا. كل هذه الحيثيات ألحقت الضرر بشركاتها المحلية وشبكتها في أوروبا الشرقية، الأمر الذي أثقل كاهل المصرف مع واحد من أكبر أكوام القروض المعدومة في البلاد، إذ تبلغ نحو 50 مليار يورو من حيث القيمة الإجمالية. حتى بعد الترتيبات التي اتخذها بنك يونيكريدت، لا تزال القيمة ضخمة عند 27 مليار يورو.فضلا عن خفض التكاليف، فإن استراتيجية موستييه هي بيع الأصول، بما في ذلك قروض متعثرة بقيمة 18 مليار يورو في صفقة مع شركتي بيمكو وفورتريس، وهما اثنان من صناديق السندات في الولايات المتحدة. بنك يونيكريدت لديه هدف الوصول إلى صافي أرباح بقيمة 4.7 مليار يورو في عام 2019، أكثر من ثلاثة أضعاف هدف عام 2015 في عهد فيديريكو جيزوني، الرئيس التنفيذي السابق.على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة، يخطط المصرف لتسريح 6500 موظف آخر، ليصل العدد الإجمالي إلى 14 ألف. ويهدف إلى تخفيض التكاليف بنحو 1.7 مليار يورو سنويا.خطة موستييه أقنعت بعض المحللين. جيوفاني رازولي، المحلل في شركة الوساطة المالية إيكويتا في ميلان، التي وضعت أخيرا توصية بـ"شراء" سهم المصرف، يقول إن إعادة الرسملة الناجحة ينبغي أن تغير المزاج العام الذي دفع بنك يونيكريدت إلى تحقيق أداء أقل من أقرانه.في مؤشر على الصعوبات التي تواجه المصارف الإيطالية، حذر بنك يونيكريدت في طلب مقدم إلى الجهات التنظيمية قبل إطلاق إصداره لأسهم الحقوق أن نسبة أسهمه العامة من الدرجة الأولى - مقياس القوة المالية - كانت بنحو 8 في المائة في نهاية عام 2016، أقل من الحد الأدنى الذي يفرضه البنك المركزي الأوروبي البالغ 8.75 في المائة. هذا كان بسبب التغييرات التي أجريت في الربع الرابع لتغطية القروض المتعثرة.سوف يتلقى المصرف ضربة بقيمة 12.2 مليار يورو قبيل التنظيف المقرر لميزانيته العمومية. عمليات شطب الأصول، المتعلقة ببيع قروضه المتعثرة، تشير إلى أي مدى لا تزال المصارف الإيطالية تملك قروضا غير منتجة مسجلة في ميزانياتها العمومية بأسعار أعلى بكثير، مما يمكن أن تباع به هذه القروض في السوق. هذا يشير إلى أن الفجوة في النظام يمكن أن تكون أكبر بكثير مما كشف عنه سابقا، كما يقول مسؤولون كبار في مجال التمويل.كسر الحلقة المفرغةيصر المسؤولون الإيطاليون على أن إعادة الرسملة في بنك يونيكريدت - إذا استطاع موستييه تحقيقها - جنبا إلى جنب مع حزمة الإنقاذ من إيطاليا، سوف تزيل الخطر عن النظام المالي الذي يخيم على البلاد.مع ذلك، لا يزال المنظمون يشعرون بالقلق من التأثير المحبط لخسارة القروض التي لا تزال غير معترف بها، الذي سيشعر به كلا المصرفين وزبائنهما. أندريا إنريا، رئيس مجلس الإدارة الإيطالي للهيئة المصرفية الأوروبية، دعا صناع القرار في بروكسل الأسبوع الماضي لإنشاء "مصرف متعثر" ضمن الاتحاد الأوروبي، ليشتري مليارات اليورو من الديون المتعثرة من المصارف، لكسر الحلقة المفرغة من انخفاض الأرباح، وتقلص الإقراض، والنمو الضعيف.لورنزو كودونيو، خبير اقتصاد سابق في وزارة الخزانة الإيطالية، يجادل بأن الأموال المقررة بقيمة 20 مليار يورو لإعادة رسملة المصارف، أدت بشكل حاد إلى تخفيض خطر، ما أدى إلى تدافع العملاء لسحب أموالهم بصورة مفاجئة من المصارف، وحالات انهيار غير منظمة. ويجادل بأنه لا تزال هناك ثلاث قضايا مهمة: الربحية التي تتطلب إعادة هيكلة قوية للغاية وتخفيضات عميقة في التكاليف، والحوكمة، والأكثر أهمية، تخفيض مخزون القروض المعدومة.يتفق معظم المحللين على أن المصارف بحاجة إلى بلورة ما يعتبر الآن خسائر ثابتة.يقول بانفيلو تارانتيلي من مجموعة تاجيس، وهي شركة مالية تسيطر على "كريديت فوندياريا"، أكبر صندوق للقروض المصرفية المتعثرة في إيطاليا: "إنه نظام يفتقر تماما إلى الكفاءة، لأن المصارف يجب أن توظف الكثير من الناس لإدارة 15 في المائة من أعمالها التي لا تنتج أي دخل". يجب على المصارف أيضا حجز مبالغ كبيرة من رأس المال لمواجهة القروض غير المنتجة. هذه العوامل معا تؤثر في قدرتها على تقديم قروض جديدة.ستكون البنوك بحاجة إلى تخفيض قيمة القروض وبالتالي جمع مبالغ أكبر من حقوق الملكية لدعم ميزانياتها العمومية، كما يقول فيليب بوديرو، مدير محفظة والرئيس العالمي للأبحاث المالية في بيمكو. وهو يجادل بأن ما بين 30 مليار يورو إلى 40 مليار يورو من حقوق الملكية مطلوبة لتعزيز الميزانية العمومية للقطاع، وهو مبلغ يقول إنه "يمكن تدبيره" نظرا لأنه يساوي نحو 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في إيطاليا. هذا يشبه الأزمات المصرفية في إيرلندا، التي كلف حلها نحو 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفي إسبانيا، التي كلف حلها نحو 10 في المائة.البنك المركزي الإيطالي والجمعية المصرفية الإيطالية يشيران إلى دلائل تفيد بأن تدفق القروض المعدومة الجديدة قد بلغ ذروته.يقول جيوفاني بوسي، الرئيس التنفيذي في بنك إفيس، المتخصص في الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم وإدارة القروض غير المنتجة: "لكن المخزون لا يزال قائما". ويقول إن هذه الكومة من القروض غير المنتجة هي جزئيا بسبب الانتعاش الاقتصادي البطيء في إيطاليا منذ الأزمة المالية ونظام قضائي يركز على مصالح المدينين أكثر من مصالح الدائنين. بعض المحاولات الرامية إلى تخفيف العبء وبالتالي رفع قيمة القروض المعدومة تشتمل على قوانين جديدة، مثل خطوة لتسريع المحاكم فيما يتعلق بقضايا الإفلاس. وهناك أيضا مخطط لتوفير ضمانات حكومية لبعض شرائح التوريق المالي المعروفة باسم GAC وصندوق مساندة يدعى أتلانتي الذي اشترى اثنين من المصارف المتعثرة في شركة فينيتو - على الرغم من أنه فشل في مهمته الثانية لشراء القروض غير المنتجة.يقول محللون في شركة بيرنبرج: "هذه من غير المرجح أن تكون ترياقا يشفي جميع العلل".بشكل حاسم، يجادل المستثمرون أن أي سوق في القروض المعدومة لا يمكن أن تبرز حتى يتم توفير بيانات أفضل. في بعض الحالات، يقول كبار المصرفيون إن وثائق القروض الورقية تقبع في فروع البنك - وضع من غير المرجح أن يلبي المعايير المطلوبة من وكالات التصنيف.موستييه، عندما تحدث إلى صحيفة "فاينانشيال تايمز" في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أشار إلى أن مشكلة المصرف من القروض غير المنتجة هي أعمق مما يدركه كثيرون. وقال إن المشكلة لا تنبع من حالة الركود المزدوج في إيطاليا فحسب، بل أيضا من ممارسات الشركات الإيطالية، إذ تلجأ إلى تمويل نفسها من خلال "الأموال الساخنة". وقال إن الشركات كانت تملك "النوع الخطأ من الميزانية العمومية. لم يكن لديها ما يكفي من رأس المال، وكانت تدير التزاماتها من خلال الحصول على التزامات قصيرة الأجل لتغطية الأصول طويلة الأجل". هذا ما دفع موستييه، الرجل الفرنسي الذي عاش في لندن لمدة 20 عاما، إلى الإعلان عن المشكلات الثقافية الأعمق التي تواجه القطاع المصرفي في إيطاليا. السؤال هو ما إذا كان علاجه سيستمر بعد عملية بيع الأسهم هذا الشهر. Image: category: FINANCIAL TIMES Author: راشيل ساندرسون من روما ومارتن أرنولد من فرانكفورت وجوناثان فورد من لندن publication date: السبت, فبراير 18, 2017 - 03:00