الرجل المناسب إبراهيم الجبين تغير العالم كثيراً. ولم يعد هناك عناء ولا شقاء في إيجاد فرص العمل للشباب، كما كان عهدنا بها في أيامنا الماضيات. فاليوم يعرض فيسبوك فرص العمل، ويجري ماسنجره المقابلات على الهواء مباشرة. ولا واسطات ولا غيرها. ولم يعد هناك سماسرة يتاجرون بالمواهب والكفاءات، ويقضون مقابل تسهيل تعيين فلان أو فلنتان. ووفق ما نقله موقع “ريكورد” فإن فيسبوك سيسمح للشركات بالإعلان بلا مقابل، عن عروض التوظيف على صفحاته. وأوضح المسؤول في قسم الأعمال والإعلانات في فيسبوك أندريو بوسورث أن الشركات تعلن منذ مدة عن الوظائف عبر فيسبوك، لكن المزايا الجديدة تتيح الوصول بشكل أسهل إلى تلك الإعلانات والتقديم لها بمرونة. قاعدة مستخدمي فيسبوك تصل إلى 1.8 مليار شخص وهذا يعني أن الإعلان على صفحاته سيغطي أكبر قدر ممكن من الاحتمالات للحصول على الشخص المناسب في المكان المناسب. وكنا قد سمعنا بهذه الشكوى الغنائية على مدى التاريخ “الرجل المناسب ليس في المكان المناسب”. ولم نعرف ما العلّة في حقيقة الأمر؛ هل هي في الرجل المناسب أم في المكان المناسب؟ ولماذا لا يتطابقان؟ في العصر الجديد، وبعد انفجار ثورة التقنيات والاتصالات، سيجلبون الرجل المناسب من ياقته، ليضعوه في المكان المناسب. ويجبروه على الجلوس فيه، وإخراج الزير من البير، كما يقال. لكن ما يدرينا بالعالم العميق للرجل المناسب. لعله كان يهرب أصلاً من كل مكان مناسب. ولعله لا يريد أن يوكل إليه أحد مهام حساسة وصعبة. لعله يتوارى في زحام الناس عمداً، فلا نعثر عليه. هل لأن مكاننا هو المكان غير المناسب؟ من يدري؟ مفاهيم كبرى تختلف هذه الأيام. وقد تمكنت وسائل التواصل الاجتماعي من إحداث فارق في إيصال رجل أشقر “لعله مناسب”، إلى مكان أبيض “قد يكون مناسباً”. ولكن العالم لا يزال يحسب وفقاً للمعادلات القديمة، ومن الذي حدد أصلاً أن رئيساً فقيراً أفضل من رئيس ثري؟ وأن رجلاً اهترأ عقله في زواريب السياسة سيكون مناسباً أكثر من رجل من خارج عالم السياسة؟ إذاً كيف سنعرف مواصفات مدير المدرسة القادم، بعد دخول فيسبوك سوق العمل والتوظيف؟ وكيف سيكون شكل خطيب الجمعة، وجليسة الأطفال، وسائق القطار، وطبيب القلب، والمهرّج، والمهندس، والمفكّر؟ إذاً نحن ندخل عالماً جديداً، نستكشفه كل يوم، قاراته هي الآخرون، الذين لم يعودوا هم الجحيم كما قال جان بول سارتر. بل هم الطريق الوحيد. وقبل أيام عثرت على حديث مسجل على اليوتيوب لسارتر حول مقولته تلك، يشرح فيه ما يلي: مقولتي “الجحيم هو الآخرون” فُهمت دوماً على نحو خاطئ. اعتقدوا أنني أردت بذلك أنّ علاقاتنا بالآخرين يشوبها دائما الحذر والتوجس والخوف، بأنها كانت دائما علاقات جهنمية، إلا أنني أريد شيئا آخر تماماً. أعني، إذا كانت العلاقات مع الآخر ملتوية وفاسدة، إذن لن يكون الآخر إلا الجحيم. لماذا؟ لأنّنا في أعماقنا نعتبر الآخرين أهم ما لدينا لنتعرف على ذواتنا. سراب/12