×
محافظة المنطقة الشرقية

تشييع جثماني الشهيدين نادر مبارك وسليمان الظهوري

صورة الخبر

إعداد: محمد هاني عطوي هل كان ماركو بولو (1254-1324)، أحد أعظم المستكشفين في التاريخ، مجرد محتال لم تتجاوز قدماه أبداً شواطئ البحر الأسود، وكل ما رواه لنا عن رحلاته إلى الصين في كتابه عجائب الدنيا استوحاه من القصص التي ذكرها له البحارة الفرس؟ على أي حال هذا ما تؤكده البروفيسور دانيال بيتريلا من جامعة نابولي في الطبعة الإيطالية من مجلة فوكوس ستوريا. والواقع، أن هذه الخدعة أو التزييف، أكدت عليه فرانسيس وود، المتخصصة في عالم الصين من المكتبة البريطانية في لندن، في مقال لها بعنوان هل ذهب ماركو بولو إلى الصين؟. ولو كان لنا أن نصدق القصة الملحمية التي أملاها ماركو بولو على رستيشيلو دو بيزا الذي كان معروفاً بكتاباته البطولية الذي كان معه في سجن جنوة عام 1298، فإن ذلك التاجر ترك البندقية مكان مولده في سن 17 عاماً (في 1271) برفقة والده نيكولو وعمه ماتيو في رحلة قادتهم إلى بخارى (في أوزبكستان حالياً) وإلى الصين، حيث أصبح مبعوث الإمبراطور المغولي قوبلاي خان (1215-1294)، ثم عاد هؤلاء إلى البندقية مرة أخرى بعد مرور 24 عاماً، وعبروا أثناء العودة بلاد فارس والهند واليابان. الغريب أن النص الأصلي لرحلات ماركو بولو، الذي يعرف أيضاً تحت عنوان كتاب عجائب الدنيا (Milione) اختفى. ومع ذلك، فهناك نسخ كثيرة تزيد على 150 مخطوطة قديمة ترجمت إلى جميع اللغات تقريباً. جون لارنر (1930-2008)، أستاذ في جامعة غلاسكو، ومؤلف كتاب بعنوان ماركو بولو واكتشاف العالم (مطبعة جامعة ييل، 1999)، أثبت أن كتاب ماركو بولو استحوذ على خيال معاصريه وسحر علماء الثقافات القديمة كما أثر في المستكشفين وألهم رسامي الخرائط الغربيين. اليوم، وبعد مرور 7 قرون، باتت مصداقية ماركو بولو مشكوكاً بأمرها من قبل باحثين إيطاليين ويابانيين وبريطانيين حيث يشتبه هؤلاء في أن المستكشف البندقي جمع المعلومات بعد أن استقاها من تجار فرس التقاهم حين عبوره لضفاف البحر الأسود. الباحثتان دانييل بيتريلا وفرانسيس وود أثبتتا قبل لارنر وجود العديد من التناقضات والمغالطات في قصة ماركو بولو. فالمغامر البندقي يخلط على سبيل المثال، بين بعض الأحداث التي وقعت خلال محاولتين للمغول لغزو اليابان في 1274 و1281. فيروي في شهادته بخصوص الحملة العسكرية الأولى أن أسطول قوبلاي خان تعرض لإعصار بعد مغادرته كوريا وقبل وصوله إلى السواحل اليابانية. لكن من المعلوم أن هذا الحدث وقع عام 1271، وتضيف أنه لم يعثر على أي أثر لبعثات دبلوماسية لماركو بولو في السجلات المغولية أو الصينية بل إن اسمه لم يظهر في أي مكان. وأخيراً، فإن القوارب التي يصفها بأنها ذات 5 صوارٍ، تتعارض مع الاكتشافات الأثرية ويبدو أن الأسطول البحري المغولي كانت سفنه تحتوي على 3 صوارٍ فقط. وتشير الباحثة فرانسيس وود، إلى وجود حالات من السهو أو الحذف المفاجئة في النصوص كما تشير إلى وقائع كانت صدمت عقل المستكشف الإيطالي. من ذلك أن ماركو بولو لم يذكر سور الصين العظيم أو التقليد الذي كان سائداً حين ذاك بخصوص تقييد أقدام النساء. وأخيراً، لا يتكلم عن المشروب الوطني (الشاي) أو عن الكتابة الصينية أو عن عيدان تناول الطعام. يذكر أن هذه الحجج ليست جديدة، وجذبت قبل ذلك اهتمام العديد من المؤرخين، قبل ظهور كتاب فرانسيس وود. ويبدو أن ماركو بولو فقد مصداقيته منذ القرن الثالث عشر. من جهته حاول جون لارنر في كتابه ماركو بولو واكتشاف العالم بدلاً من ذلك إثبات أن المغامر البندقي كان صادقاً فيما ادعاه، ويشير المؤرخ البريطاني إلى أنه في القرن ال13، حين كان ماركو بولو في الصين، كان سور الصين العظيم الذي بدأ بناؤه في القرن الخامس قبل الميلاد في حالة خراب ولم يكن لديه ذلك المظهر العظيم الذي نعرفه الآن، وجرت عملية ترميمه في وقت لاحق. وفيما يتعلق بالحروف الصينية، فيوضح لارنر في كتابه أن المنغولية كانت هي اللغة السائدة، وأن تعلم الصينية كان أمراً غير مشهور بين النخبة. أما بالنسبة للشاي وهو المشروب الشعبي فكان معروفاً في جنوب الصين ولم يكن يستهلك في مناطق الشمال والوسط حيث كان يقيم ماركو بولو. وأخيراً، فإن لف أو عصب أقدام النساء فكان مخصصاً للنساء من الطبقات العليا واللاتي كن يلزمن منازلهن. وحسب بعض المؤرخين فإنه يجب أن نتذكر بأن المشاريع الاستكشافية للعديد من المستكشفين مثل كولومبوس تم تمويلها أو رعايتها من قبل جهات خاصة وهذا ما دفع ماركو بولو إلى تنميق أو تجميل بعض الحقائق فروايته المليئة بوصف الأغنياء والقصور والمجوهرات، والحرير والتوابل جعلت المؤرخين يطلقون عليه لقب السيد مليون، ولكن سرعان ما تبين عدم صحة هذا الأمر كما يمكن أن نرى في تقرير كولومبوس. بالإضافة إلى ذلك، تمكن المستكشف الإيطالي أيضاً من جمع معلومات عن بعض الأماكن التي يصعب الوصول إليها، على غرار المؤرخ هيرودوت وحكاياته. ومع ذلك، فحتى لو كذب ماركو بولو عن دوره كسفير للإمبراطور المغولي، فلا شيء يسمح لنا أن نقول على وجه اليقين إنه لم يطأ أرض الصين. وعلينا ألا ننسى بأن رستيشيلو دو بيزا، الذي دوّن مذكرات ماركو بولو مباشرة باللغة الفرنسية، هو مؤلف مجموعة نصوص آرثرية نثرية بعنوان حكاية الملك آرثر. ومن هنا يمكن للمرء أن يتصور أن دو بيزا سمح لنفسه أثناء النقل بتنميق بعض الأوهام في عملية السرد مع العلم بأن ما لدينا هو نسخ عن المخطوطة الأصلية فقط، ولذا يمكننا الاعتقاد أن هذه النسخ لا تستعيد النص في حالته الأصلية لأن النساخ ارتكبوا الأخطاء بل تم تغيير بعض المقاطع من الكتاب أو أنها اختفت مع مرور الوقت. حاول العديد من علماء اللغة إعادة كتابة النص الأصلي ويمكننا أن نذكر الطبعة المشروحة ل M.G Pauthier، كتاب ماركو بولو، مواطن من البندقية، التي نشرت في عام 1865، مستندة إلى 3 مخطوطات محفوظة في المكتبة الوطنية في فرنسا. في أوائل القرن العشرين جال العالم الإيطالي لويجي فوسكولو بينيديتو (1886-1966) في المكتبات الأوروبية ودرس العديد من الإصدارات لنص ماركو بولو معتمداً اعتماداً كبيراً على مخطوطة فرنسية إيطالية تعود إلى القرن ال14 في المكتبة الوطنية في فرنسا. ونشر بينيديتو في العام 1928 طبعة نقدية للنص بعنوان (Il milione). وبخصوص المشكلة المتعلقة بالنسخة الأصلية لرحلات ماركو بولو صدر نص بعنوان: من ماركو بولو إلى سافينيو تحت إدارة فرانسوا ليفي ونشر بواسطة مطبعة جامعة باريس السوربون في عام 2003. ويقول فيليب مينار، أستاذ فخري في جامعة السوربون، إن من بين المخطوطات المحفوظة، لدينا 18 مخطوطة بالفرنسية، و5 بالتوسكانية، و6 بلغة البندقية، وواحدة بالفرنسية والإيطالية وغيرها الكثير باللاتينية. وفيليب مينار هو أيضاً مؤلف ماركو بولو يستكشف العالم. وكما نرى، فإن الجدل الدائر حول ماركو بولو لا يمكن أن يقف عند حد معين، خصوصاً أن الأدلة المادية بشأن رحلته تبخرت، فمنزل المستكشف البندقي (في حي Cannaregio) تعرض للتدمير جراء حريق وقع عام 1598، كما أن الرسالة التي أرسل الخان إلى البابا كليمنت الرابع التي عهد بها في وقت لاحق إلى غريغوري العاشر اختفت أيضاً. ويرى الباحث توماس تناسي، الذي كتب أيضاً سيرة لماركو بولو، أنه ذهب إلى الصين بلا شك. وإذا كانت روايته تحتوي على مبالغات ومتناقضات، فهذا شيء مشروع إذ يجب علينا ألا ننسى أننا أمام نص أدبي، فماركو بولو ليس مؤرخاً ولا جغرافياً سياسياً، كما أن رستيشيلو دو بيزا المعروف برواياته الملحمية ساعده في تحرير كتابه، ولا عجب أنه نمق الأشياء فضلاً عن أنه تم نسخ مخطوطة ماركو بولو مراراً وتكراراً. وما قاله ماركو بولو بنفسه أن هناك أشياء لم يطلع عليها، ولكن ذكرها فقط من خلال انتشارها كإشاعات، فعلى سبيل المثال يذكر طيوراً خرافية تعيش في مدغشقر، وقادرة على حمل الفيلة في مناقيرها. ولكن كيف تمكن ماركو بولو من أن يخمن مقتل وزير قوبلاي؟ يعتقد توماس تناسي ألا شيء في ذلك يجعل ماركو بولو محتالاً فتراكم المعلومات عن آسيا دليل على أنه بقي هناك مدة طويلة، فأوصاف مدينة مثل قينساي، مع قنواتها وأسواقها وحماماتها وحرائقها المتكررة لا يمكن اختراعها، كما أن روايته حول اغتيال وزير قوبلاي، تعتبر دليلاً على وجوده الأكيد في الصين. في بعض الأحيان، نجد أن الواقع نفسه يتجاوز الخيال، وماركو بولو لم يكن قادراً على تغيير شيء هناك، فمثلا ركز على ضريبة الدخل الهائلة في منطقة قينساي التي بلغت كما يقول، 23 طناً من الذهب جمعت من قبل مفتشي الضرائب. وهذا الرقم، لا يزال يبدو مبالغاً جداً فيه ولكن تم التحقق منه في وقت لاحق وذلك بفضل النصوص الإدارية الصينية في ذلك الوقت، وهو مبلغ صحيح. وأخيراً وعلى فراش الموت، تنهد ماركو بولو قائلا: فوق كل هذا لم يسعفني الأجل لأقص على الناس ولو نصف ما رأيت، كأنه كان يستشعر الانتقادات التي كانت ستوجه له بعد 7 قرون على وفاته.