مهن المناسبات تجذب فئات جديدة من المصريين دفعت الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المصريون الآن، الكثيرين منهم إلى البحث عن أي وسيلة للكسب، إذ أن إقتصارهم على مهنة واحدة لم يعد كافيا للإنفاق على أسرهم، في ظل الارتفاع القياسي للأسعار، وهكذا يلجأ البعض منهم إلى امتهان ما يسمى بمهن الساعات المعدودة، التي تستمر يومين أو ثلاثة فقط في العام، لتحقيق ربح سريع لا يتعارض مع أعمالهم الأصلية، ويساعدهم على مواجهة مصاعب الحياة. العربمحمد عبدالهادي [نُشرفي2017/02/16، العدد: 10545، ص(20)] يقتاتون على أفراح الآخرين القاهرة - اعتادت سناء بيع باقات الورود ودباديب وبالونات في شكل قلوب كتب عليها “عيد الحب”، وعدد من صور القلوب في شريط يرفرف على المارة معلنة “الفالانتاين”. وتنتقل سناء من أمام الجامعات إلى وسط القاهرة حيث زحمة المارة، وسرعان ما تنتهي مهمتها في توفير الهدايا للأحبة لتنتقل بعدها إلى اختيار بضاعة أخرى ترتبط عادة بمناسبة مّا. في أعياد الميلاد ورأس السنة، يبيع محمد علي قُبعات “سانتا كلوز” العادية أو المضيئة، ويقوم بمطاردة المارين في الشوارع، في محاولة منه لإقناعهم بشراء بضاعته. بيع “القبعات” وهدايا الحب في أعياد الميلاد ورأس السنة والفالانتاين من المهن الظرفية، التي يلجأ إليها الكثير من الشباب المصري لتحقيق القليل من الربح، مثلها مثل بيع “الطرابيش” في موالد الأقطاب الصوفية، والأعلام في مباريات الأهلي والزمالك، وحياكة مستلزمات حصاد القمح في الأرياف، وبيع الألعاب النارية في الأعياد، إذ لا تستمر تلك المهن سوى ساعات معدودة في العام بأكمله. ويعرف محمد علي أن الوقت يداهمه، فبضاعته سريعة البوار، ولا يأتيها الزبائن إلا يوم عيد الحب، أو خلال أعياد الميلاد في آخر يومين من العام، بجانب يوم “السابع من يناير”، في احتفال الكنيسة المصرية ومسيحيي الشرق والإنجيليين الشرقيين بعيد ميلاد المسيح عليه السلام، لذلك يواصل العمل منذ الصباح الباكر حتى منتصف ليل القاهرة. يا ورد من يشتريك محمد علي يشتري بضاعته من تجار منطقتي العتبة والموسكي بوسط القاهرة، المتخصصين في استيراد ألعاب الأطفال والخردوات كالمعتاد، إلا أنه يشتكي من ارتفاع كبير في أسعارها العام الحالي، بسبب تعويم الجنيه، الذي تسبب في هبوط قيمته بنحو 60 بالمئة أمام الدولار الأميركي. وقد بدأ محمد علي يمارس تلك المهنة الظرفية منذ خمس سنوات، إلا أن حجم المبيعات انخفض هذا العام بصورة ملحوظة، وقال “في السنوات الماضية، كنت أقابل أسرة مكونة من أربعة أو خمسة أفراد، فيشترون كلهم طاقيات (قبعات) عيد الميلاد، أما الآن فالأسرة تكتفي بشراء واحدة فقط لأصغر طفل لديها”. أعلام الثورة بيع الأعلام أيضا بات من “مهن اليوم الواحد”، لكن مبيعاتها تقتصر حاليا على مواعيد مباريات المنتخب المصري لكرة القدم، أو لقاءات القمة بين قطبي الكرة المصرية؛ الأهلي والزمالك، بعد انحسار الفعاليات السياسية والمظاهرات، ومنع الجمهور من حضور المسابقات المحلية، كبطولتي الدوري والكأس. وكانت مبيعات الأعلام قد انتعشت في أعقاب ثورة 25 يناير 2011 وحتى ثورة 30 يونيو 2013، لكنها انحسرت في أعقاب إقرار قانون التظاهر، الذي صدر في نوفمبر 2013، واشترط على منظمي المظاهرات إبلاغ السلطات بتاريخ انطلاقها قبل ثلاثة أيام على الأقل. ولم تشهد مصر، منذ إقرار هذا القانون، فعاليات تذكر سوى مظاهرات “جمعة الأرض” في أبريل الماضي، التي شارك فيها المئات من الأشخاص، ما بين مؤيدين ومعارضين لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وتنازل النظام المصري عن جزيرتي تيران وصنافير، وقد تم خلال هذه المظاهرات القبض على عدد كبير من المعارضين. تجارة الأعلام من مهن اليوم الواحد تقتصر حاليا على مباريات المنتخب المصري لكرة القدم، أو لقاءات القمة بين الأهلي والزمالك مع انتشار الفعاليات السياسية في أعقاب ثورة 25 يناير، قامت بعض ورش الحياكة بإنتاج تلك الأعلام، لكن تناقص الإقبال عليها هذه الأيام دفع معظم الورش إلى إغلاق أبوابها، والاعتماد مجددا على الاستيراد من الصين لصالح التجار الكبار. وقال باعة الأعلام لـ“العرب” إن مظاهرات ‘جمعة الأرض’، شهدت لأول مرة إقبالا على أعلام السعودية، والتي لم يكن متوافرًا منها سوى القليل، فالتجار لم يستوردوا منها إلا الأعداد القليلة يتم بيعها في شارع جامعة الدول العربية بمنطقة المهندسين، ولم يطلب أحد كميات كبيرة منها من قبل، وكان مؤيدو النظام المصري في نقل تبعية الجزيرتين إلى السعودية، قد رفعوا أعلام المملكة في تظاهراتهم، الأمر الذي أثار جدلاً واسعا في الشارع المصري. وبحسب شعبة الخردوات ولعب الأطفال في الغرفة التجارية بالقاهرة، فإن أكبر نسبة مبيعات للأعلام المصرية، كانت في عامي 2011 و2012 بنحو 13 مليون دولار، وانخفضت لتسجل 2.3 مليون دولار خلال عامي 2014 و2015، بينما يقدرها خبراء اقتصاديون بأقل من مليون دولار في 2016 المنقضي. ووفقا لباعة الأعلام يصل سعر العلم الكبير إلى 2.2 دولار، بينما يتراوح سعر العلم المتوسط ما بين 90 سنتًا و1.2 دولار، أما العلم الصغير فيباع بنحو 17 سنتا فقط. مهن تحقق القليل من الربح وفي موالد الأقطاب الصوفية بمصر، مثل “السيد البدوي”، و”عبدالرحيم القنائي”، و”إبراهيم الدسوقي”، و”أحمد الرفاعي”، تظهر مهنة لا تستمر سوى ساعات معدودة، خلال “الليلة الكبيرة” للاحتفال، وهي مهنة بائع الطرابيش الورقية، التي يسميها المصريون “الطراطير”، وكذلك باعة “الأراجوز” التقليدي. وقال أيمن متولي، بائع “طرابيش ورقية”، إن الخامات التي يستخدمها في صناعة الطرابيش المزخرفة والأراجوزات يتم استيرادها من الصين، وزادت أسعارها بنسبة 100 بالمئة بسبب الدولار، ما دفعه إلى جمع بقايا القماش من محال التفصيل وإصلاح الملابس، واستخدام ما يصلح منها في صناعته، لتقليل الكلفة. ويبيع متولي “الأراجوز” الواحد بنحو 22 سنتا، و“الطرطور” بنحو 13 سنتا، وقال إن مهنته السريعة تلك تدخل البهجة على نفوس الأطفال والأسر الفقيرة، التي لا يمكنها شراء ألعاب من المكتبات والمتاجر، وتمتلك مصر مصنعين فقط لإنتاج الألعاب لكن حجم إنتاجهما ضعيف إذ لا يلبي حاجة سوق الألعاب التي تقدر بنحو 1.1 مليون دولار، وتعتمد على ما يتم استيراده من الخارج، إذ أن 90 بالمئة من لعب الأطفال تُستورد من الصين، وفقًا لجهاز حماية المنافسة. ألعاب نارية وصواريخ في يومي عيد الأضحى والفطر أيضا، يلجأ الكثيرون إلى مهنة الاتجار بالألعاب النارية، خصوصا في القرى المصرية، فبمجرد شراء كميات منها بسعر الجملة، والجلوس أمام المنزل لبيعها، يمكن تحقيق ربح يتجاوز الـ300 بالمئة. وتتباين التقديرات حول حجم تجارة الألعاب النارية في مصر، فبينما تقدرها الغرفة التجارية في القاهرة بنحو 700 مليون دولار سنويا، يرفع البعض قيمتها إلى ما يقارب الـ100 مليون دولار، عند إضافة الكميات التي يتم تهريبها، أو التي يتم تصنيعها محليا بالورش غير المرخصة والتي تسمى “البُمب”. وانتعشت تجارة الشماريخ والألعاب النارية في المظاهرات والاحتفالات المصرية منذ ثورة يناير، كوسيلة للاحتفال بميدان التحرير، إلا أنها ترتبط أكثر في معظم المحافظات المصرية بيومي العيد، إذ يقبل الأطفال على شراء كميات كبيرة من الأنواع رخيصة الثمن، التي لا يتعدى ثمنها في الكثير من الأحيان سنتًا واحدًا. وهناك عدة أنواع من الألعاب النارية، فـ”البُمب” الصيني يتراوح سعره ما بين 15 و20 سنتا، والمصري بنحو 10 سنتات، بينما تتراوح أسعار الشماريخ (التي يسميها المصريون الصواريخ) ما بين 90 سنتا و1.25 دولار. المهن السريعة وسيلة للهروب من الفقر وفي الريف المصري أيضا، توجد مهن موسمية لا تستمر سوى أيام قليلة في موسم حصاد القمح، إذ يلجأ البعض إلى صنع الأجولة الضخمة، التي يخزن فيها الفلاحون عيدان القمح بعد تقطيعها، أو ما يسمى “تبن العلف”. كما باتت مهنة صناعة “أسرجة الحمير” -التي يسميها المصريون “البردعة” وجاء منها اسم البرادعي، من الكتان المحشو بقش القمح- من مهن الأيام المعدودة أيضا، بعد انتشار الماكينات الزراعية والمركبات البخارية في الريف. وقال محمد سيد أحمد (فلاح) لـ”العرب”، إنه لم يعد يبيع في العام سوى 5 أو 6 أسرجة، تستغرق صناعة الواحد منها قرابة الأربع ساعات. وقال أحمد أبوجبل، رئيس شعبة لعبة الأطفال والأدوات المكتبية باتحاد الغرف التجارية، لـ “العرب”، إن ارتفاع أسعار الدولار بالبنوك، وسعر “الدولار الجمركي”، أديا إلى زيادة قياسية في أسعار جميع الألعاب، بما فيها المنتجات البسيطة كعرائس بابا نويل وأزيائه والأعلام ، (الدولار الجمركي ارتفع سعره من 8.85 جنيه قبل تعويم الجنيه في نوفمبر من العام الماضي، إلى 19 جنيها مع نهاية 2016). وأوضح أبوجبل أنه يوجد حاليا ركود حاد في بيع منتجات الألعاب والخردوات، إذ باتت الأسر تعيد ترتيب نفقاتها في ضوء الأولويات، وأصبحت السلع الأساسية تلتهم الدخول، ولا تترك الكثير للترفيه أو شراء ألعاب أو منتجات الاحتفالات والزينة. وأكد نادي عزام، الخبير الاقتصادي، أن الكثير من المصريين يفكرون هذه الأيام في المهن السريعة “التيك أواي”، كوسيلة لتحسين الدخل، بعد ارتفاع الأسعار، إذ باتت الرواتب الأساسية غير كافية لتلبية الاحتياجات الضرورية، فلجأ البعض إلى شراء بضائع المناسبات، ثم إعادة بيعها. وشدد في تصريحات لـ”العرب” على أن معدل التضخم وسياسات التخلص من الدعم دفعا الطبقة المتوسطة إلى التآكل، وزادت أعداد الفقراء لأكثر من 30 بالمئة، وتجتهد تلك الشرائح الاجتماعية حاليا في البحث عن أي مصادر لتحسين دخولها، سواء بامتهان مهن خدمية ذات ربح سريع ووقت قليل، كأعمال البيع، أو مزاولة أعمال الوساطة والسمسرة في مجال العقارات والأراضي.