«أتعبتني يا فضيلة الإمام»، عبارة أطلقها الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، في حفل أقيم الشهر الماضي وتم بثه على الهواء مباشرة، بحضور شيخ الأزهر، أحمد الطيب، بالتزامن مع طلب الرئيس بتقييد الطلاق الشفوي، غير أنه مطلب رفضته منذ أيام بالإجماع هيئة كبار العلماء، أعلى هيئة دينية بمصر، برئاسة الطيب. وعقب الرفض الأزهري، برز عنوان رئيسي "الأزهر يعارض الرئاسة" في أغلب التقارير الصحافية المحلية والغربية التي تابعت القرار، الذي يعدُّ الثاني من نوعه بعد رفض مؤسسة الأزهر وشيخها الطيب، الموافقة على خطبة الجمعة المكتوبة التي تبنتها وزارة الأوقاف المصرية وتراجعت عنها منذ أشهر قليلة. وانتقل الأمر من كونه معارضة إلى صدام ومواجهة، وفق ما جاء في صحيفة الوطن الخاصة، في عددها الصادر الثلاثاء الماضي، بعنوان رئيسي في صدر الصفحة الأولى «المشيخة (الأزهر) اختارت الصدام مع الدولة في الطلاق الشفهي»، نقلا عن أزهريين، وفي داخل الصحيفة ملف كامل بعنوان «الأزهر في مواجهة الدولة.. وكبار العلماء تعيش في جلباب الإخوان». وفي ظل حديث متصاعد لمؤيدين للسيسي عن تواجد «إخواني» لافت في الأزهر، وهو ما تنفيه المؤسسة الدينية الأبرز بمصر، قال السيسي يوم الخميس الماضي، في ندوة تثقفية للجيش نقلها التلفزيون الحكومي، إنه يرفض أن يكون هناك أي توجهات لأشخاص في الجيش والشرطة أو مؤسسات الدولة (لم يسمها). وأضاف الرئيس المصري الذي لم يعلِّق على قرار رفض مطلبه بتقييد الطلاق: «انتبهوا أنا حريص ألا أستدعي مواجهة مع أحد من أجل أن أحافظ على ثبات مصر؛ لكن هناك أناساً لهم توجهات في المؤسسات وهذا ليس جيداً، فإما أن تكون مع بلدك أو لا». آراء ثلاثة قريبة من الأزهر، تواصلت معها الأناضول في أحاديث منفصلة، لكشف أبعاد تداعيات الرفض الأزهري، أحدهم يرى أن هناك «خلافاً مكتوماً» بين الأزهر والرئاسة، والآخر يعتبر ما يتم «هجوماً من أنصار النظام لتحطيم شيخه معنوياً لإزاحته ودفعه للاستقالة» قائلا وفق معلوماته إن الطيب «تقدم بها للرئاسة أكثر من مرة ورفضت»، في مقابل رأي ثالث لا يرى الأمر مخالفة أو خروجاً عن الرئاسة، «بل التزاماً بالشرع». يحيى إسماعيل حبلوش، الأمين العام السابق لجبهة علماء الأزهر، أستاذ الحديث بكلية أصول الدين جامعة الأزهر (حكومية)، يرى في حديث للأناضول، أن بيان هيئة العلماء «ليس مخالفاً لمؤسسة الرئاسة ولا يمثِّل خروجاً عليها، ولكنه التزام بالشرع ولا يجب أن نعطي الأمور أكثر من حجمها»، مشجعاً على أهمية استقلال الأزهر الشريف. وأضاف حبلوش، للأناضول: «إن العلاقة بين الذكر والأنثي ليست أحوالا شخصية، ولكنها شرعية (..) خاصة أن أسباب كثرة الطلاق أو قلته لا ترجع للتوثيق الذي ظهر في مصر في 1936، ولم يكن موجوداً من قبل». المفكر الإسلامي، كمال حبيب، علَّق على تداعيات بيان الأزهر، قائلا في حديث للأناضول: «واضح في سرعة صدور البيان من العلماء وطريقة الإجماع التي صدر بها، الذي لا يجب أن يخالفه حاكم أو عالم، وكأنها تستبطن نوعاً من اللوم، أو القول إن إقحام الحاكم في هذه القصة لم يكن لائقاً». وأضاف: «ربما لأول مرة في تاريخ حكم السيسي، تجد هذا الموقف القوي من الأزهر الذي يلفت نظر الحاكم أن تلك القضية ليست من اختصاصه وأن الناس في حاجة لعيش كريم وليس الكلام في الطلاق». وتابع حبيب: «بالطبع لن نعلم تفاصيل ما يدور بين الأزهر والرئاسة لكن في النهاية هذه العلاقة تبقى على هذه الحالة من التوتر والخلاف المكتوم حول قضايا متعددة مثل الخطبة المكتوبة، وفكرة الرئاسة عن تجديد الخطاب الديني». أما ناجح إبراهيم، المفكر الإسلامي، فيرى في حديث للأناضول، أن «الأزهر بقراره الأخير لا يفتعل مشكلة مع الحكم، فهو دائماً متوافق مع الدولة، ولكن ليس ظلا لها أو خصماً أو عدواً أو جاء ليحاربها، بل يعدُّ من القوى الناعمة التي لا يجب هدمها». وأضاف: «هيئة كبار العلماء ليست منتمية للإخوان والرأي الأخير لها وسطي وحكيم، وتقول الرأي الشرعي بصرف النظر عن علاقتها بالحكومات الموجودة، وليست هي أو شيخ الأزهر وراء انتشار الطلاق الذي يعود لأسباب اجتماعية واقتصادية وتفسخ أخلاقي».;