التجربة التاريخية لمؤسسة الحكم في المملكة منحتها الخبرة الكافية لكيفية العمل في المنعطفات التاريخية المهمة وهذا ما يفسر لنا تلك القرارات الملكية التي يلحظ معها المجتمع الدولي والمحلي إنها قرارات تؤكد للجميع أن الاستقرار السياسي والاجتماعي لدولة مهمة كالسعودية يعتبر خياراً دولياً ومحلياً وقبل ذلك هو خيار مجتمعي ثابت الحديث عن مؤسسة الحكم في المملكة العربية السعودية ليس شائكاً ولا معقداً أبداً ولم يكن كذلك عبر تاريخ هذه المملكة، فالمواطن الذي يعيش داخل المملكة العربية السعودية عاش الكثير من التحولات الرئيسة التي حدثت خلال المئة عام الماضية من عمر السعودية في تاريخها الثالث، وهذا التاريخ يثبت وبشكل دائم أن التحول والتغيير السلس الذي يراعي المستقبل والحاضر معاً هو الذي يحدث دائماً وهذا ما يتمناه ويحافظ عليه الشعب السعودي. الكثير من التحليلات السياسية الإعلامية في خارج المملكة تبذل الكثير من الجهود في محاولة معرفة الاتجاهات السياسية في مؤسسة الحكم السعودي وخاصة عندما تصدر قرارات مهمة وتاريخية، ولعل السبب في ذلك كون المملكة واحدة من أكثر الدول في العالم التي تشغل العالم كله وليس الوطن العربي لذلك فمن الناحية السياسية يعتبر الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي تعيشه المملكة مهماً ليس لمواطنيها فقط ولكن أيضا للعالم من حولها لأسباب ثقافية واجتماعية واقتصادية. مؤسسة الحكم في السعودية تدرك القيمة الدولية لهذا الوطن فالقيمة الدولية للمملكة تتميز بوجود الحرمين الشريفين حيث ينظر اليها أكثر من مليار مسلم في العالم نظرة مختلفة عن نظرتهم الى كل دول العالم الأخرى كما أن الطابع الاقتصادي للسعودية وامتيازها بوجود الطاقة يجعل منها محط اهتمام بقية العالم، كما أن الطبيعة الجغرافية والتنوع يشكلان قوة مجتمعية لجغرافية السعودية. مؤسسة الحكم في السعودية تدرك وبحكم خبرتها التاريخية أن المجتمع السعودي وفي الجانب السياسي على وجه الخصوص يعتبر التقاليد السياسية أكثر أصالة من غيرها في طريقة إدارة الحكم ولعل ذلك يشكل السبب الرئيس في حدوث التغييرات السياسية في المملكة بشكل مطمئن وسريع ومقبول من المجتمع عبر تاريخها. المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز تميزت بالكثير من التحولات وعلى جميع المستويات حيث تشكل مرحلة الملك عبدالله مرحلة مفصلية في تاريخ السعودية نظراً لعدة اعتبارات سياسية واجتماعية ولعل إنشاء هيئة البيعة في عهد خادم الحرمين الشريفين يعتبر قراراً تاريخياً ساهم في رسم الصورة المستقبلية لآليات التحول والتغيير والتجديد في مؤسسة الحكم السعودي، تلك المؤسسة التي تشارك المجتمع السعودي في الثبات على القيم والتقاليد السياسية الأصلية التي بنيت عليها السعودية سياسياً خلال القرن الماضي من عمرها. هيئة البيعة أصبحت جزءاً من التقاليد المقننة في مؤسسة الحكم في السعودية ولذلك نلحظ أن المتابع للمرحلة التي تلت تولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم في المملكة تميزت بتفعيل مميز للقيم السياسية الأصيلة التي تحكم هذا الوطن حيث ارتبطت جميع القرارات التاريخية التي نشاهدها في مؤسسة الحكم اليوم بالعرض والتأييد والموافقة من أعضاء هيئة البيعة مقرونة بتأييد شعبي ينعكس بشكل واضح من خلال تعاطي المجتمع مع صيغة القرارات الملكية وآليات تفعليها. في القرار الملكي الأخير يأتي اختيار الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد في عملية سياسية مميزة في صياغتها وهي قائمة على تصورات مستقبلية ومطمئنة للحكم في السعودية، ومن المؤكد أن هذا القرار ضمن سلسلة منتظرة من مؤسسة الحكم التي تعمل من أجل ضمان استقرار سياسي لهذا الوطن ومسيرته السياسية. هذا القرار يمكن قراءته أيضاً من خلال ثلاث زوايا رئيسة أولاً يضع هذا القرار المجتمع السعودي أمام المستقبل السياسي في المرشحين للحكم في المملكة، ثانياً يبعث هذا القرار الاطمئنان الكبير في المجتمع السعودي الذي يتميز بعلاقة وثيقة وثقة كبيرة في مؤسسة الحكم ثبتت عبر التاريخ، فالمجتمع يرى في مؤسسة الحكم وأعضائها من الأسرة المالكة ضماناً تاريخياً لمستقبلة، ثالثا يوقف هذا القرار كل التكهنات الإعلامية الدولية والإقليمية ويثبت الاستقرار السياسي للسعودية وقدرتها على التعاطي مع واقعها بشكل متوافق وميسر وفقاً للأوضاع الدولية والمحلية. مؤسسة الحكم في السعودية وهي مؤسسة تتميز بتاريخ ملكي طويل لما يقارب من الأربعة قرون منحتها هذه القرون الكثير من الخبرات التاريخية السياسية في التعاطي مع التحولات التاريخية ومع تعرضها للكثير من المصاعب السياسية إلا أنها استطاعت أن تتغلب على الكثير منها وذلك بفضل عدة أسباب سياسية ارتبطت بقدرة مؤسسة الحكم على التعاطي مع المواقف السياسية وأسباب أخرى تتعلق بتوافق شعبي منح الشرعية المطلقة لهذه الأسرة ومؤسسة الحكم من قبل الشعب فيها عبر التاريخ. مؤسسة الحكم في السعودية وعبر تاريخها الطويل استطاعت أن تجعل من القوانين الأساسية التي قامت عليها المملكة منذ إنشائها مرتكزاً وقواعد لا يمكن الحياد عنها لذلك فالخطاب السياسي في مؤسسة الحكم في السعودية منذ إنشائها وحتى اليوم نجد أنه متمسك بالقيم التي بنيت عليها المملكة كدعم الدين الإسلامي والالتزام بتعاليمه المعتدلة وجعله مرجعية أساسية في نظام الحكم. على الجانب الآخر تشكلت مؤسسة الحكم في المملكة بجانب قيمها السياسية المتفق عليها تاريخياً على ضمان مسيرة التطور والتنمية للمجتمع وفتح جوانب التطوير المجتمعي وفقاً لمعطيات التحضر العالمية وهذا ما يفسر تعاطي المجتمع السعودي مع كل معطيات الحضارة العالمية وتقنياتها بشكل لافت للنظر وقابلية كبيرة نحو عملية التغيير والتطور من قبل أفراد المجتمع في مجالات التعليم والصحة والاقتصاد والتنمية الثقافية. إن ضمان المستقبل السياسي من قبل مؤسسة الحكم في السعودية يسير بشكل ثابت ومرتبط بحجم التحولات والتغيرات الحاضرة بالإضافة الى قدرته على التنبؤ بالمستقبل والإعداد له، لذلك يمكن اعتبار، مرحلة حكم الملك عبدالله -أمد الله في عمره-، من أكثر الفترات التي برز فيها دور مؤسسة الحكم كونها مرحلة مهمة في مواجهة المستقبل السياسي للمملكة، ولقد استطاع الملك عبدالله-حفظه الله- أن يضع من خلال قراراته التاريخية خلال العقد الماضي مساراً سياسياً واجتماعياً ثابتاً ومتفقاً عليه للصورة المرجوة لمستقبل المملكة العربية السعودية وشعبها. التجربة التاريخية لمؤسسة الحكم في المملكة منحتها الخبرة الكافية لكيفية العمل في المنعطفات التاريخية المهمة وهذا ما يفسر لنا تلك القرارات الملكية التي يلحظ معها المجتمع الدولي والمحلي إنها قرارات تؤكد للجميع أن الاستقرار السياسي والاجتماعي لدولة مهمة كالسعودية يعتبر خياراً دولياً ومحلياً وقبل ذلك هو خيار مجتمعي ثابت ومتفق عليه عبر تاريخ هذا الوطن.