تمثل جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدول الخليج منعطفًا مهمًا في العلاقات التركية الخليجية، التي وصلت في شهور معدودة إلى ذروة تناميها وازدهارها. وتعد زيارته للمملكة العربية السعودية من أهم الزيارات التي تتابعها عن كثب ليس موسكو فقط، وإنما التحالف الأوروأمريكي أيضًا، وغيره من التحالفات والدول والعواصم السياسية التي تخشى التقارب التركي الخليجي، وتعتبره خطرًا على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والخليج بشكل خاص. وتشهد العلاقات التركية الخليجية تطورًا ملموسًا في السنوات الأخيرة؛ وذلك لتطابق الرؤى السياسية والعسكرية في العديد من الأزمات والقضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية، والأزمة السورية والتدخل الإيراني في اليمن. وفي عام واحد تم عقد 12 قمة خليجية تركية، جمعت الرئيس أردوغان بقادة الخليج، من بينها: ست قمم مع قادة المملكة من ضمنها قمة مع ولي العهد وولي ولي العهد وأربع مع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، وقمة مع ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وأخرى مع الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت. وأسفرت هذه اللقاءات عن خطوات متقدمة، تبلورت نتائجها الأولية بتوقيع الرياض وأنقرة على محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي التركي في أبريل من العام الماضي 2016، وبعده بشهر واحد تم توقيع عدد من الاتفاقيات بين الحكومتين التركية والقطرية من أهم بنودها الإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول. وفي أعسطس 2016، اختتمت زيارة قام بها ملك البحرين إلى تركيا بخمس اتفاقيات تعاون. كما أثمر التقارب الخليجي التركي عن إعادة الإمارات سفيرها لتركيا في يونيوالماضي، وعلى التوازي شهدت العلاقات الكويتية التركية تحسنًا ملحوظًا، والشيء نفسه لبقية دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة بعد الجولة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لدول المجلس مؤخرًا. ولا يأتي التعاون الخليجي التركي من فراغ، وإنما من توحد وجهات نظر أنقرة مع العواصم الخليجية، سياسيًا وعسكريًا، حيث تؤيد تركيا التحالف الإسلامي بقيادة السعودية لإعادة الشرعية في اليمن. كما تدعم أنقرة المملكة ودول الخليج في موقفها من الأزمة السورية ومطلبها برحيل نظام بشار الأسد والحفاظ على وحدة وحقوق الشعب السوري. وما دعوة الرئيس أردوغان لدول الخليج للمشاركة في مشروع إقامة منطقة آمنة في سوريا، ودعم وتدريب الجيش السوري الحر، إلا دليل على هذا التوحد السياسي والعسكري. ويدعم هذا التوحد، تعاون اقتصادي متنام، حيث فازت العديد من الشركات التركية مؤخرًا بمشاريع عملاقة في دول الخليج تقدر بمليارات الدولارات. وفي المقابل تضاعفت قائمة الاستثمارات الخليجية في تركيا، وتصدرتها السعودية، وساهم المجلس الاستراتيجي في رفع حجم التبادل التجاري بين الرياض وأنقرة إلى ثمانية مليارات دولار سنويًا، وارتفع عدد الشركات السعودية العاملة في تركيا إلى940 شركة، يعمل 25% منها في مجال العقارات، باستثمارات تقدر بنحو 6 مليارات دولار، مقابل 250 شركة تركية في السعودية، بحجم أعمال يزيد على 17مليار دولار. ويأتي هذا التعاون السعودي التركي المشترك، وكما يؤكد خبراء الاقتصاد إيمانًا من القيادتين بقوة ومتانة الوضع الاقتصادي في بلديهما، وبأهمية الاستثمار في الموارد الطبيعية والبشرية. إضافة إلى ما يوجد في البلدين من مشاريع اقتصادية وبنى تحتية عملاقة، جعلت المملكة من أولى دول العالم اقتصاديًا، ودفعت بالاقتصاد التركي ليكون الثالث أوروبيًا، وبدخل قومى يزيد على 823 مليار دولار سنويا، ونسبة نمو 4 %. ويتوقع الخبراء أن تسفر هذه الزيارة عن زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، وتوقيع العديد من الاتفاقيات المتنوعة بين الحكومتين ورجال القطاع الخاص في البلدين. مستندين في ذلك إلى العلاقة القوية التي تربط بين البلدين رسميًا وشعبيًا، والصداقة المتينة بين الملك سلمان والقيادة السعودية والرئيس أردوغان. إن العلاقات التركية االخليجية بما تشهده الآن من نقلة نوعية وتطور كبير، تمثل تكتلاً استراتيجيًا وسياسيًا قويًا يخشاه أعداء المنطقة. وكما يؤكد مراقبون سياسيون، يجعل من التحالف التركي السعودي الذراع الأقوى في الدفاع عن حقوق العرب والمسلمين. وستكشف الأيام القادمة عن نتائج إيجابية عديدة لهذا التعاون، تصب نتائجها المثمرة ليس في مصلحة البلدين فقط، وإنما للخليج والمنطقة العربية عامة، وهو ما يدفعنا للمطالبة بضرورة الحفاظ على استمرار هذه العلاقة، واستثمار مزاياها النسبية في الدفاع عن قضايا شعوب المنطقة، وبما يعزز قدراتها، ويحقق الاستقرار والأمان لها بعيدًا عن المذهبية والطائفية. رابط الخبر بصحيفة الوئام: السعودية وتركيا الذراع الأقوى لحماية حقوق العرب والمسلمين