على الرغم من هذه التطورات التكنولوجية والسماوات المفتوحة، ظلت الصحافة الغربية تقدم صورا مشوهة ومتحيزة ضد العرب والمسلمين بصفة عامة، والمرأة العربية بصفة خاصة، حيث دأبت على تقديمها في صور نمطية تعكس الاستسلام والسلبية والأمية والانقياد والتبعية للرجل والمجتمع وثقافته والتقاليد التى تحكمه، وإبراز الأدوار التقليدية للمرأة وتجاهل ما حققته في مجالات السياسة والاقتصاد والفن والثقافة، كما لم تقدمها في المواقع الوظيفية المعاصرة كسفيرة ووزيرة وباحثة وطبيبة وبرلمانية وقاضية وغير ذلك من المجالات. وأضافت أحداث سبتمبر/أيلول 2001 وتداعياتها مزيدا من التشوهات على صورة المرأة العربية بعد أن ارتبط الإسلام بالإرهاب في أذهان الغرب وساد الخوف من الإسلام والمسلمين بصفة عامة، والعرب بصفة خاصة باعتبارهم الخطر الجديد على الحضارة الغربية. هذه الصورة اختلفت وفقا للباحثة الإعلامية ياسمين أسامة عبدالمنعم بعد أحداث ما سمي بالربيع العربى في عام 2011 حيث رأت في دراستها الصادرة عن دار العربي للنشر بعنوان "صورة المرأة العربية.. في الصحافة الأميركية والبريطانية" أن ثورات الربيع العربي مثلت نقطة تحول في نظرة عدد من الدول الغربية للعالم العربي، انعكست على التناول الإعلامى لهذه المنطقة من العالم التي عانت كثيرا من اضطهاد الغرب ونظرته السلبية وأحكامه وتقييمه الجائر لشعوبه وثقافته وحضارته، وبالتالي للمرأة العربية التي لعبت دورا محوريا في الاحتجاجات والتظاهرات، وكانت لها مشاركة لافتة أبهرت الغرب حكومات وشعوب، وربما جعلتهم يعيدون النظر في تلك الصور النمطية القديمة التي لم تكن ترى في المرأة العربية سوى السلبيات والماضى، وتغافلت - عن عمد أو غير عمد - عن حاضرها الحافل بالإنجازات والنجاحات. وقالت الباحثة "بدا هذا التغيّر واضحا في اختيار مجلة التايم الأميركية في عددها الصادر في 14 ديسمبر/كانون الأول 2011 وجه متظاهرة عربية تنشره على غلافها تحت عنوان (المتظاهرة العربية) من بين أهم مائة شخصية أثرت في العالم عام 2011، كما نشرت صحيفة الجارديان البريطانية على رأس قائمتها لأهم عشر نساء في 2011 صورة لامرأة عربية تقف في مواجهة مدرعة للأمن تعبيرا عن شجاعة المرأة العربية في مقاومة رموز القمع والظلم". من هنا كان اختيار الباحثة موضوع دراستها التي تهدف إلى رصد الصور التي قدمتها الصحافة الغربية ممثلة في عينة من الصحافة الأميركية والبريطانية اليومية والأسبوعية لجماهير قرائها عن المرأة العربية خلال ثلاث سنوات هي 2011 و2012 و2013، والكشف عن عناصر هذه الصور ومكوناتها الرئيسية وتحليل ما تضمنته من اتجاهات والتعرف على صناعها، ومقارنة هذه الصور التي قدمتها الأميركية والبريطانية ببعضها البعض. وتكمن أهمية الدراسة - وفقا للباحثة - كونها تتناول المرأة العربية التي تمثل تقريبا نصف عدد سكان الدول العربية، والتي حققت في السنوات الأخيرة تقدما كبيرا في ميادين العلم والتعليم والمشاركة السياسية والمجتمعية والتنمية والاقتصاد وإدارة الأعمال والبحث العلمي ووصلت للعديد من المناصب القيادية، وكانت لها مشاركة واضحة في مسارات التنمية في بلادها، رغم ما تعانيه من مشكلات وتحديات تتمثل بصفة رئيسية في الثقافة العربية والعادات والتقاليد ونظرة المجتمع العربى التي لم تتطور بنفس قدر ما حققته المرأة العربية من نجاحات وإنجازات. كما أن الكتاب يغطي فترة زمنية فاصلة ليس في العالم العربي فحسب بل في تاريخ العالم، تتمثل في ثلاثة أعوام هي 2011 و2012 و2013 شهدت أحداثا مهمة غيرت كثيرا من أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي وامتدت آثارها للعالم أجمع، الأمر الذي يفسر - إلى حد كبير - الاهتمام غير المسبوق من قبل الصحافة العالمية بالمرأة العربية التي خرجت في التظاهرات الاحتجاجية وقادت المسيرات الضخمة المطالبة بالإصلاح السياسي والتحول الديمقراطى في بلادها، وظهرت في صورة مغايرة عن الصور النمطية القديمة التي اعتادت وسائل الإعلام الغربية تقديمها. وقد حرصت الباحثة على اختيار عينة ممثلة للصحافتين الأميركية والبريطانية اللتين تلعبان الدور الأكبر في تشكيل آراء ومواقف الجمهور نحو الكثير من القضايا والأمور والسياسيات والزعماء والشعوب، وراعت في اختيارها عددا من المبررات والمعايير من أهمها أن تكون من الصحافة العامة وليست النسائية المتخصصة، حتى يمكن التعرف على ماهية الصور التي تقدمها الصحافة الغربية الموجهة إلى جمهور عام، وأن تكون هذه الصحف والمجلات هي الأكثر اهتماما بالعالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، وبالمرأة العربية بصفة خاصة، بالإضافة إلى تنوع اتجاهاتها ودوريات صدورها. لذا تشكلت عينة الصحافة الأميركية من صحيفتي النيويورك تايمز والواشنطن بوست اليوميتين ومجلة تايم الأسبوعية، بينما تشكلت عينة الصحافة البريطانية من صحيفتي الجارديان والديلي ميل اليوميتين ومجلة الإيكونومست الأسبوعية. وقد أسفرت الدراسة التحليلية عن مجموعة كبيرة من النتائج المهمة أهمها أن هناك تحسنا ملحوظا في مكونات الصورة التي تقدمها الصحافتان الأميركية والبريطانية لجماهير قرائها عن المرأة العربية واتجاهات الصحافتين نحوها، حيث وصفتها كل منهما بأنها امرأة ومثقفة وشجاعة ومتحدية لكافة المشكلات التي تواجهها، وأبرزت أدوارها المتعددة في المجتمع، كما قدمت نماذج لشخصيات نسائية ناجحة في مجالات السياسة والاقتصاد وإدارة الأعمال والفن والرياضة على المستويين المحلي والدولي، كما قلّ النقد الموجه إليها وأبدت الصحافتان إعجابا بشجاعتها وتمسكها بحقوقها واعتبرتها أمل المنطقة العربية في تحقيق الديمقراطية والتقدم. هذا التحسن لم يمنع أن هذه الصورة المعاصرة لا تزال تعاني من بعض أوجه القصور والجزئية خاصة وأنها تمر من خلال سياق ثقافي واجتماعي وسياسي وإعلامي مختلف له تحيزاته واعتباراته ومعاييره المختلفة، التي أثرت بالضرورة على ملامح الصورة. وأكدت الباحثة أن هذا التحسين في الصورة يحتاج إلى جهود جماعية منتظمة من جانب العرب أنفسهم، حتى لا تعود إلى ما كانت عليه بعد خفوت حدة الأحداث السياسية الاستثنائية في العالم العربي، وقدمت عددا من المقترحات التي يمكن أن تسهم في تحسين صورة المرأة العربية في الصحافة الغربية: أولا: إنشاء أجهزة للرصد الإعلامي المنتظم والمستمر لصورة المرأة العربية في وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والعالمية، وعدم الاقتصار على وسائل الإعلام الغربية، حتى يمكن التصحيح أو التعديل أو الرد على الادعاءات والتجاوزات أولا بأول قبل أن تستقر في أذهان الجماهير وصناع القرار في الأنظمة والمجتمعات المختلفة ثقافيا عن الثقافة الغربية. ثانيا: توحيد الجهود التي تقوم بها كل من المجالس القومية للمرأة في الدول العربية، وإدارة المرأة التابعة لجامعة الدول العربية والتنسيق بينهما من أجل القيام بحملات إعلامية واسعة النطاق وبرامج للتعريف بواقع المرأة العربية المعاصرة وما تحققه من إنجازات ونجاحات. ثالثا: تنظيم أنشطة علاقات عامة تتمثل في دعوة المعنيين بشئون العالم العربي وقضايا المرأة العربية من المراسلين والمحررين والإعلاميين والصحفيين من دول العالم المختلفة ومن كبريات الصحف والمحطات والقنوات العالمية لزيارة الدول العربية والتعرف على الواقع المعاصر للمرأة فيها. رابعا: شراء مساحات زمنية في المحطات الإذاعية والتلفزيونية ومساحات في كبريات الصحف العالمية الأكثر انتشارا وشعبية لشرح واقع المرأة العربية وإبراز الإنجازات والمكتسبات الحقوقية التي حققتها، مع عدم إنكار السلبيات والمشكلات التي تعاني منها، بل شرحها، ومراعاة بطء وتدرج عملية تغيير الصور الذهنية خصوصا المستقرة منذ وقت طويل والتي يصعب تغييرها أو تصحيحها، وهو الحادث في حالة المرأة العربية التي استقرت صورة سلبية لها في العقلية الغربية على مدار عقود طويلة. خامسا: استثمار المميزات التي تتيحها الأساليب الاتصالية الحديثة التي يتيحها تطور تكنولوجيا الاتصالات، من رسائل إلكترونية أو خدمات إعلامية إلكترونية، مع مراعاة الدورية المنتظمة والتحديث المستمر والصياغة المنطقية، الت تقدم خدمة إعلامية يحتاجها الصحفيون في الغرب، بالإضافة إلى إصدار طبعات دولية من الصحف باللغة الإنجيليزية، والاهتمام بوسائل أخرى غير الاتصال الجماهيرى كألعاب الفيديو والأفلام السينمائية لمساهمتها في تشكيل الصور وتنميطها. سادسا: الاستفادة من خبرات الجاليات العربية والمهاجرين بالخارج، بالإضافة للخبراء والمتخصصين الذين يعملون في الجامعات والمراكز البحثية الأميركية والأوروبية، والذين تستعين بهم الصحف والمجلات كمصادر لمعلوماتها وتزويدهم بالأحدث من المعلومات والإنجازات، وذلك لفهمهم للثقافة الأصلية للمجتمعات الغربية ودرايتهم بكيفة التعامل معها والأسلوب الأمثل للتوجه لجماهيرها، ومن ثم يمكن الإفادة منهم كجسور بين المجتمعين العربي والغربي. سابعا: تنظيم الأحداث الثقافية التي تستهدف تقديم المعلومات عن المرأة العربية وثقافتها وعاداتها وتقاليدها وإنجازاتها في مختلف المجالات، بهدف القضاء على الأنماط الجامدة التي لا تستند إلى مصادر حقيقية. وقيام المراسلين والكتاب العرب الذين يعملون لدى المؤسسات الإعلامية الغربية بمراعاة خصائص الجمهور المستهدف وثقافته لدى صياغة رسائلهم الاتصالية التى تسهم في بناء صورة المرأة العربية. ثامنا: التأكيد في الرسائل الموجهة للغرب على تمسك المرأة العربية بهويتها وخصوصيتها الثقافية، التي لا تتعارض - مثلما هو سائد في الصحافة الغربية - مع التقدم والتحداثة والتحرر. تاسعا: تحسين أوضاع المرأة العربية اقتصاديا واجتماعيا وتشريعيا وتمكينها من القيام بأدوارها داخل مجتمعاتها، حيث إن تحسين وضع المرأة يؤدى بالضرورة إلى تحسّن الصورة التي تقدمها لها الصحافة الغربية، لأن الصورة تعكس جزءا من الواقع. محمد الحمامصي